الفصل الرابع : في  
علامة محبته - صلى الله عليه وسلم -  
اعلم أن من أحب شيئا آثره ، وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقا في حبه ، وكان مدعيا . فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من تظهر علامة ذلك عليه ، وأولها الاقتداء به ، واستعمال سنته ، واتباع أقواله ، وأفعاله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ، ويسره ، ومنشطه ، ومكرهه ، وشاهد هذا قوله - تعالى - :  
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله     [ آل عمران : 31 ] .  
وإيثار ما شرعه ، وحض عليه على هوى نفسه ، وموافقة شهوته ، قال الله - تعالى - :  
والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة     [ الحشر : 9 ] .  
وإسخاط العباد في رضا الله - تعالى - .  
[ حدثنا  
القاضي أبو علي الحافظ  ، حدثنا  
أبو الحسن الصيرفي  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=13132وأبو الفضل بن خيرون  ، قالا : حدثنا  
أبو يعلى البغدادي  ، حدثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=14534أبو علي السنجي  ، حدثنا  
محمد بن محبوب  ، حدثنا  
أبو عيسى  ، حدثنا  
مسلم بن حاتم  ، حدثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=13748محمد بن عبد الله الأنصاري  ، عن أبيه ، عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد  ، عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب     ] ، قال : قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك     - رضي الله عنه - : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989729يا بني ، إن قدرت أن تصبح ، وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل .  
ثم قال لي : يا بني ، وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة     .   
[ ص: 387 ] فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ، ورسوله ، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ، ولا يخرج عن اسمها .  
ودليله قوله - صلى الله عليه وسلم - للذي حده في الخمر فلعنه بعضهم ، وقال : ما أكثر ما يؤتى به !  
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  
لا تلعنه ، فإنه يحب الله ، ورسوله     .  
ومن علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرة ذكره له ، فمن أحب شيئا أكثر ذكره .  
ومنها كثرة شوقه إلى لقائه ، فكل حبيب يحب لقاء حبيبه .  
وفي حديث الأشعريين عند قدومهم المدينة أنهم كانوا يرتجزون :  
غدا نلقى الأحبة  محمدا   وصحبه  
   .  
وتقدم قول  
بلال     .  
ومثله قال  
عمار  قبل قتله . وما ذكرناه من قصة  
 nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان     .  
ومن علاماته مع كثرة ذكره تعظيمه له ، وتوقيره عند ذكره ، وإظهار الخشوع ، والانكسار مع سماع اسمه .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13942إسحاق التجيبي     : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده لا يذكرونه إلا خشعوا ، واقشعرت جلودهم ، وبكوا .  
وكذلك كثير من التابعين ، منهم من يفعل ذلك محبة له ، وشوقا إليه ، ومنهم من يفعله تهيبا ، وتوقيرا .  
ومنها محبته لمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن هو بسببه من آل بيته ، وصحابته من  
المهاجرين   ،  
والأنصار   ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم ، وسبهم ، فمن أحب شيئا أحب من يحب .  
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن ، والحسين :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989731اللهم إني أحبهما فأحبهما     .  
وفي رواية - في  
الحسن     :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989732اللهم      [ ص: 388 ] إني أحبه فأحب من يحبه     .  
وقال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989733من أحبهما فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله     .  
وقال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989734الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه     .  
وقال في  
فاطمة     - رضي الله عنها - :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989735إنها بضعة مني ، يغضبني ما أغضبها     .  
وقال  
لعائشة  في  
 nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد     :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989736أحبيه فإني أحبه     .  
وقال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989737آية الإيمان حب  الأنصار   ، وآية النفاق بغضهم     .  
وفي حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر     :  
من أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، فبالحقيقة من أحب شيئا أحب كل شيء يحبه     .  
وهذه سيرة السلف حتى في المباحات ، وشهوات النفس .  
وقد  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989739قال  أنس  حين رأى      [ ص: 389 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة : فما زلت أحب الدباء من يومئذ     .  
وهذا  
الحسن بن علي  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس  ،  
وابن جعفر  أتوا  
سلمى  ، وسألوها أن تصنع لهم طعاما مما كان يعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .  
وكان  
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  يلبس النعال السبتية ، ويصبغ بالصفرة ، إذ رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل نحو ذلك .  
ومنها  
بغض من أبغض الله ، ورسوله ، ومعاداة من عاداه ، ومجانبة من خالف سنته ، وابتدع في دينه ، واستثقاله كل أمر يخالف شريعته  ، قال الله - تعالى - :  
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله     [ المجادلة : 22 ] .  
وهؤلاء أصحابه - صلى الله عليه وسلم - قد قتلوا أحباءهم ، وقاتلوا آباءهم ، وأبناءهم في مرضاته .  
وقال له  
 nindex.php?page=showalam&ids=4897عبد الله بن عبد الله بن أبي     : لو شئت لأتيتك برأسه - يعني أباه .  
ومنها أن يحب القرآن الذي أتى به - صلى الله عليه وسلم - ، وهدى به ، واهتدى ، وتخلق به حتى  قالت  
عائشة     - رضي الله عنها - : كان خلقه القرآن وحبه للقرآن تلاوته ، والعمل به ، وتفهمه .  
ويحب سنته ، ويقف عند حدودها     .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله     : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة ، وعلامة حب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يدخر منها إلا زادا ، وبلغة إلى الآخرة     .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود     : لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ، ورسوله     .  
ومن علامات حبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - شفقته على أمته ، ونصحه لهم ، وسعيه في مصالحهم ، ورفع المضار عنهم ، كما كان - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين رءوفا رحيما .  
ومن علامة تمام محبته زهد مدعيها في      
[ ص: 390 ] الدنيا ، وإيثار الفقر ، واتصافه به .  
وقد قال عليه الصلاة والسلام  
 nindex.php?page=showalam&ids=44لأبي سعيد الخدري     :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989740إن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي ، أو الجبل إلى أسفله     .  
وفي حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل     : قال  
nindex.php?page=hadith&LINKID=989741رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ، إني أحبك . فقال : انظر ما تقول . قال : والله إني أحبك ثلاث مرات . قال : إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا     . ثم ذكر نحو حديث  
أبي سعيد  بمعناه .