مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل الذنوب صغائر وكبائر

والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة ، وإجماع السلف وبالاعتبار ، قال الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقال تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 322 ] أنه قال الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان - مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر .

وأما ما يحكى عن أبي إسحاق الإسفراييني أنه قال : الذنوب كلها كبائر ، وليس فيها صغائر ، فليس مراده أنها مستوية في الإثم ، بحيث يكون إثم النظر المحرم ، كإثم الوطء في الحرام ، وإنما المراد أنها بالنسبة إلى عظمة من عصي بها كلها كبائر ، ومع هذا فبعضها أكبر من بعض ، ومع هذا فالأمر في ذلك لفظي لا يرجع إلى معنى .

والذي جاء في لفظ الشارع تسمية ذلك لمما ومحقرات كما في الحديث إياكم ومحقرات الذنوب وقد قيل : إن اللمم المذكور في الآية من الكبائر ، حكاه البغوي وغيره .

قالوا : ومعنى الاستثناء أن يلم بالكبيرة مرة ، ثم يتوب منها ، ويقع فيها ثم ينتهي عنها ، لا يتخذها دأبه ، وعلى هذا يكون استثناء اللمم من الاجتناب إذ معناه لا يصدر منهم ، ولا تقع منهم الكبائر إلا لمما .

والجمهور على أنه استثناء من الكبائر ، وهو منقطع ، أي لكن يقع منهم اللمم .

وحسن وقوع الانقطاع بعد الإيجاب - والغالب خلافه - أنه إنما يقع حيث يقع التفريغ ، إذ في الإيجاب هنا معنى النفي صريحا ، فالمعنى : لا يأتون ولا يفعلون كبائر الإثم والفواحش ، فحسن استثناء اللمم .

ولعل هذا الذي شجع أبا إسحاق على أن قال : الذنوب كلها كبائر ، إذ الأصل في الاستثناء الاتصال ، ولا سيما وهو من موجب .

[ ص: 323 ] ولكن النصوص وإجماع السلف على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر .

ثم اختلفوا في فصلين ، أحدهما : في اللمم ما هو ؟ والثاني : في الكبائر وهل لها عدد يحصرها ، أو حد يحدها ؟ فلنذكر شيئا يتعلق بالفصلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية