مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل الفحشاء والمنكر

وأما الفحشاء والمنكر فالفحشاء صفة لموصوف قد حذف تجريدا لقصد الصفة ، وهي الفعلة الفحشاء ، والخصلة الفحشاء ، وهي ما ظهر قبحها لكل أحد ، واستفحشه كل ذي عقل سليم ، ولهذا فسرت بالزنا واللواط ، وسماها الله فاحشة لتناهي قبحهما ، وكذلك القبيح من القول يسمى فحشا ، وهو ما ظهر قبحه جدا من السب القبيح ، والقذف ونحوه .

وأما المنكر فصفة لموصوف محذوف أيضا ، أي الفعل المنكر ، وهو الذي تستنكره العقول والفطر ، ونسبته إليها كنسبة الرائحة القبيحة إلى حاسة الشم ، والمنظر القبيح إلى العين ، والطعم المستكره إلى الذوق ، والصوت المستنكر إلى الأذن ، فما اشتد إنكار العقول والفطر له فهو فاحشة ، كما فحش إنكار الحواس له من هذه المدركات .

فالمنكر لها ما لم تعرفه ولم تألفه ، والقبيح المستكره لها الذي تشتد نفرتها عنه هو الفاحشة ، ولذلك قال ابن عباس : الفاحشة الزنا ، والمنكر ما لم يعرف في شريعة ولا سنة .

فتأمل تفريقه بين ما لم يعرف حسنه ولم يؤلف ، وبين ما استقر قبحه في الفطر والعقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية