فصل .  
قال : الدرجة الثانية :  
ترقب آفات النفس والعمل  ، ورؤية فضل كل ذي فضل عليك ، وتنسم نسيم الفناء .  
يريد انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما لك ، فإنه يجعل القلب خاشعا لا محال ، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من الكبر ، والعجب ، والرياء ، وضعف الصدق ، وقلة اليقين ، وتشتت النية ، وعدم تجرد الباعث من الهوى النفساني ، وعدم إيقاع العمل على الوجه الذي ترضاه لربك ، وغير ذلك من عيوب النفس ، ومفسدات الأعمال .  
وأما رؤية فضل كل ذي فضل عليك فهو أن تراعي حقوق الناس فتؤديها ، ولا ترى أن ما فعلوه من حقوقك عليهم ، فلا تعاوضهم عليها . فإن هذا من رعونات النفس وحماقاتها . ولا تطالبهم بحقوق نفسك ، وتعترف بفضل ذي الفضل منهم ، وتنسى فضل نفسك .  
وسمعت  
شيخ الإسلام ابن تيمية   قدس الله روحه يقول : العارف لا يرى له على أحد حقا ، ولا يشهد على غيره فضلا ، ولذلك لا يعاتب ، ولا يطالب ، ولا يضارب .  
وأما تنسم نسيم الفناء فلما كان الفناء عنده غاية ، جعل هذه الدرجة كالنسيم لرقته ، وعبر عنها بالنسيم للطف موقعه من الروح ، وشدة تشبثها به ، ولا ريب أن الخشوع سبب موصل إلى الفناء ، فاضله ومفضوله .