مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال صاحب " المنازل " :

الزهد هو إسقاط الرغبة عن الشيء بالكلية .

يريد بالشيء المزهود فيه ما سوى الله . والإسقاط عنه إزالته عن القلب وإسقاط تعلق الرغبة به .

وقوله : بالكلية ؛ أي بحيث لا يلتفت إليه ، ولا يتشوق إليه .

قال : وهو للعامة قربة . وللمريد ضرورة . وللخاصة خشية .

يعني أن العامة تتقرب به إلى الله . والقربة ما يتقرب به المتقرب إلى محبوبه . وهو ضرورة للمريد ؛ لأنه لا يحصل له التخلي بما هو بصدده ، إلا بإسقاط الرغبة فيما سوى مطلوبه . فهو مضطر إلى الزهد ، كضرورته إلى الطعام والشراب . إذ التعلق [ ص: 18 ] بسوى مطلوبه لا يعدم منه حجابا ، أو وقفة ، أو نكسة ، على حسب بعد ذلك الشيء من مطلوبه ، وقوة تعلقه به وضعفه .

وإنما كان خشية للخاصة لأنهم يخافون على ما حصل لهم من القرب والأنس بالله ، وقرة عيونهم به أن يتكدر عليهم صفوه بالتفاتهم إلى ما سوى الله . فزهدهم خشية وخوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية