قال : وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى  
الزهد في الشبهة     . بعد ترك الحرام بالحذر من المعتبة ، والأنفة من المنقصة ، وكراهة مشاركة الفساق .  
أما الزهد في الشبهة فهو ترك ما يشتبه على العبد هل هو حلال ، أو حرام ؟ كما في حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=980315الحلال بين . والحرام بين . وبين ذلك أمور مشتبهات . لا يعلمهن كثير من الناس . فمن اتقى الشبهات اتقى الحرام . ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى . يوشك أن يرتع فيه . ألا وإن لكل ملك حمى . ألا وإن حمى الله محارمه . ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد . وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد . ألا وهي القلب     .  
فالشبهات برزخ بين الحلال والحرام . وقد  
جعل الله عز وجل بين كل متباينين برزخا  ، كما جعل الموت وما بعده برزخا بين الدنيا والآخرة . وجعل المعاصي برزخا بين الإيمان والكفر . وجعل الأعراف برزخا بين الجنة والنار .  
وكذلك جعل بين كل مشعرين من مشاعر المناسك برزخا حاجزا بينهما ليس من هذا ولا من هذا .  
فمحسر   برزخ بين  
منى   ومزدلفة ،   ليس من واحد منهما ، فلا يبيت به      
[ ص: 19 ] الحاج ليلة جمع ، ولا ليالي  
منى      .  
وبطن عرنة   برزخ بين  
عرفة   وبين  
الحرم      . فليس من  
الحرم   ولا من  
عرفة      . وكذلك ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس برزخ بين الليل والنهار . ليس من الليل ، لتصرمه بطلوع الفجر . ولا من النهار لأنه من طلوع الشمس . وإن دخل في اسم اليوم شرعا .  
وكذلك منازل السير بين كل منزلتين برزخ يعرفه السائر في تلك المنازل . وكثير من الأحوال والواردات تكون برازخ ، فيظنها صاحبها غاية . وهذا لم يتخلص منه إلا فقهاء الطريق ، والعلماء هم الأدلة فيها .  
وقوله : بعد ترك الحرام ؛ أي ترك الشبهة لا يكون إلا بعد ترك الحرام .  
وقوله : بالحذر من المعتبة ، يعني أن يكون سبب تركه للشبهة الحذر من توجه عتب الله عليه .  
وقوله : والأنفة من المنقصة ؛ أي يأنف لنفسه من نقصه عند ربه ، وسقوطه من عينيه . لا أنفته من نقصه عند الناس ، وسقوطه من أعينهم . وإن كان ذلك ليس مذموما ، بل هو محمود أيضا . ولكن المذموم أن تكون أنفته كلها من الناس ، ولا يأنف من الله .  
وقوله : وكراهة مشاركة الفساق ؛ يعني أن الفساق يزدحمون على مواضع الرغبة في الدنيا . ولتلك المواقف بهم كظيظ من الزحام . فالزاهد يأنف من مشاركتهم في تلك المواقف . ويرفع نفسه عنها ، لخسة شركائه فيها ، كما قيل لبعضهم : ما الذي زهدك في الدنيا ؟ قال : قلة وفائها ، وكثرة جفائها ، وخسة شركائها .  
إذا لم أترك الماء اتقاء  تركت لكثرة الشركاء فيه      إذا وقع الذباب على طعام  
رفعت يدي ونفسي تشتهيه      وتجتنب الأسود ورود ماء  
إذا كان الكلاب يلغن فيه