مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

الخوف يثمر الورع والاستعانة وقصر الأمل . وقوة الإيمان باللقاء تثمر الزهد . والمعرفة تثمر المحبة والخوف والرجاء . والقناعة تثمر الرضاء . والذكر يثمر حياة القلب . [ ص: 30 ] والإيمان بالقدر يثمر التوكل . ودوام تأمل الأسماء والصفات يثمر المعرفة . والورع يثمر الزهد أيضا . والتوبة تثمر المحبة أيضا ، ودوام الذكر يثمرها . والرضا يثمر الشكر . والعزيمة والصبر يثمران جميع الأحوال والمقامات . والإخلاص والصدق كل منهما يثمر الآخر ويقتضيه . والمعرفة تثمر الخلق . والفكر يثمر العزيمة . والمراقبة تثمر عمارة الوقت ، وحفظ الأيام والحياء ، والخشية والإنابة . وإماتة النفس وإذلالها وكسرها يوجب حياة القلب وعزه وجبره . ومعرفة النفس ومقتها يوجب الحياء من الله عز وجل ، واستكثار ما منه ، واستقلال ما منك من الطاعات . ومحو أثر الدعوى من القلب واللسان وصحة البصيرة تثمر اليقين . وحسن التأمل لما ترى وتسمع من الآيات المشهودة والمتلوة يثمر صحة البصيرة .

وملاك ذلك كله : أمران : أحدهما : أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة ، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها ، وفهم ما يراد منه وما نزل لأجله ، وأخذ نصيبك وحظك من كل آية من آياته ، وتنزلها على داء قلبك .

فهذه طريق مختصرة قريبة سهلة . موصلة إلى الرفيق الأعلى . آمنة لا يلحق سالكها خوف ولا عطب ، ولا جوع ولا عطش ، ولا فيها آفة من آفات سائر الطريق البتة . وعليها من الله حارس وحافظ يكلأ السالكين فيها ويحميهم ، ويدفع عنهم . ولا يعرف قدر هذه الطريق إلا من عرف طرق الناس وغوائلها وآفاتها وقطاعها . والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية