مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل : النوع الثاني من الخطاب المسموع : خطاب الهواتف من الجان ، وقد يكون المخاطب جنيا مؤمنا صالحا ، وقد يكون شيطانا ، وهذا أيضا نوعان :

أحدهما : أن يخاطبه خطابا يسمعه بأذنه .

[ ص: 71 ] والثاني : أن يلقي في قلبه عندما يلم به ، ومنه وعده وتمنيته حين يعد الإنسي ويمنيه ، ويأمره وينهاه ، كما قال تعالى يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وقال الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وللقلب من هذا الخطاب نصيب ، وللأذن أيضا منه نصيب ، والعصمة منتفية إلا عن الرسل ، ومجموع الأمة .

فمن أين للمخاطب أن هذا الخطاب رحماني ، أو ملكي ؟ بأي برهان ؟ أو بأي دليل ؟ والشيطان يقذف في النفس وحيه ، ويلقي في السمع خطابه ، فيقول المغرور المخدوع : قيل لي وخوطبت ، صدقت لكن الشأن في القائل لك والمخاطب ، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لغيلان بن سلمة وهو من الصحابة لما طلق نساءه ، وقسم ماله بين بنيه : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك ، فقذفه في نفسك . فمن يأمن القراء بعدك يا شهر ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية