مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال : " الدرجة الثانية : إلهام يقع عيانا ، وعلامة صحته أنه لا يخرق سترا ، ولا يجاوز حدا ، ولا يخطئ أبدا " .

الفرق بين هذا وبين الإلهام في الدرجة الأولى : أن ذلك علم شبيه بالضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب ، وهذا معاينة ومكاشفة ، فهو فوقه في الدرجة ، وأتم منه ظهورا ، ونسبته إلى القلب نسبة المرئي إلى العين ، وذكر له ثلاث علامات :

إحداها : أنه لا يخرق سترا ، أي صاحبه إذا كوشف بحال غير المستور عنه لا يخرق ستره ويكشفه ، خيرا كان أو شرا ، أو أنه لا يخرق ما ستره الله من نفسه عن الناس ، بل يستر نفسه ، ويستر من كوشف بحاله .

الثانية : أنه لا يجاوز حدا ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه لا يتجاوز به إلى ارتكاب المعاصي ، وتجاوز حدود الله ، مثل الكهان ، وأصحاب الكشف الشيطاني .

الثاني : أنه لا يقع على خلاف الحدود الشرعية ، مثل أن يتجسس به على العورات التي نهى الله عن التجسس عليها وتتبعها ، فإذا تتبعها وقع عليها بهذا الكشف ، فهو شيطاني لا رحماني .

الثالثة : أنه لا يخطئ أبدا ، بخلاف الشيطاني ، فإن خطأه كثير ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صائد ما ترى ؟ قال : أرى صادقا وكاذبا ، فقال : لبس عليك فالكشف الشيطاني لا بد أن يكذب ، ولا يستمر صدقه البتة .

التالي السابق


الخدمات العلمية