مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل منزلة الحياء

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الحياء

قال الله تعالى : ألم يعلم بأن الله يرى وقال تعالى : إن الله كان عليكم رقيبا وقال تعالى : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل - وهو يعظ أخاه في الحياء - فقال : دعه . فإن الحياء من الإيمان .

وفيهما عن عمران بن حصين رضي الله عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء لا يأتي إلا بخير .

وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة - أو بضع وستون شعبة - فأفضلها : قول لا إله إلا الله . وأدناها إماطة الأذى عن الطريق . والحياء شعبة من الإيمان .

[ ص: 248 ] وفيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها . فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه .

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت . وفي هذا قولان .

أحدهما : أنه أمر تهديد . ومعناه الخبر ، أي من لم يستح صنع ما شاء .

والثاني : أنه أمر إباحة . أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله . فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله . والأول أصح . وهو قول الأكثرين .

وفي الترمذي مرفوعا استحيوا من الله حق الحياء . قالوا : إنا نستحي يا رسول الله . قال : ليس ذلكم ، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى . وليحفظ البطن وما حوى . وليذكر الموت والبلى . ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا . فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية