مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

المشهد الخامس : مشهد الإحسان وهو أرفع مما قبله . وهو أن يقابل إساءة المسيء إليه بالإحسان . فيحسن إليه كلما أساء هو إليه . ويهون هذا عليه علمه بأنه قد ربح عليه . وأنه قد أهدى إليه حسناته ، ومحاها من صحيفته . وأثبتها في صحيفة من أساء إليه . فينبغي لك أن تشكره ، وتحسن إليه بما لا نسبة له إلى ما أحسن به إليك .

وهاهنا ينفع استحضار مسألة اقتضاء الهبة الثواب . وهذا المسكين قد وهبك حسناته . فإن كنت من أهل الكرم فأثبه عليها ، لتثبت الهبة . وتأمن رجوع الواهب فيها .

وفي هذا حكايات معروفة عن أرباب المكارم . وأهل العزائم .

ويهونه عليك أيضا : علمك بأن الجزاء من جنس العمل . فإن كان هذا عملك في إساءة المخلوق إليك عفوت عنه . وأحسنت إليه ، مع حاجتك وضعفك وفقرك وذلك . فهكذا يفعل المحسن القادر العزيز الغني بك في إساءتك . يقابلها بما قابلت به إساءة عبده إليك . فهذا لا بد‍ منه . وشاهده في السنة من وجوه كثيرة لمن تأملها .

التالي السابق


الخدمات العلمية