مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

أول ذنب عصى الله به أبوا الثقلين : الكبر والحرص . فكان الكبر ذنب إبليس اللعين . فآل أمره إلى ما آل إليه . وذنب آدم على نبينا وعليه السلام : كان من الحرص والشهوة . فكان عاقبته التوبة والهداية ، وذنب إبليس حمله على الاحتجاج بالقدر والإصرار . وذنب آدم أوجب له إضافته إلى نفسه ، والاعتراف به والاستغفار .

فأهل الكبر والإصرار ، والاحتجاج بالأقدار : مع شيخهم وقائدهم إلى النار إبليس . وأهل الشهوة : المستغفرون التائبون المعترفون بالذنوب ، الذين لا يحتجون عليها بالقدر : مع أبيهم آدم في الجنة .

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : التكبر شر من الشرك فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى ، والمشرك يعبد الله وغيره .

قلت : ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين . كما قال تعالى في سورة الزمر وفي سورة غافر ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وفي سورة [ ص: 317 ] النحل فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين وفي سورة تنزيل أليس في جهنم مثوى للمتكبرين .

وأخبر أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع الله على قلوبهم . فقال تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار .

وقال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر رواه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم الكبر بطر الحق . وغمط الناس .

وقال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به تنبيها على أنه لا يغفر الكبر الذي هو أعظم من الشرك ، وكما أن من تواضع لله رفعه ، فكذلك من تكبر عن الانقياد للحق أذله الله ووضعه ، وصغره وحقره . ومن تكبر عن الانقياد للحق - ولو جاءه على يد صغير ، أو من يبغضه أو يعاديه - فإنما تكبره على الله فإن الله هو الحق . وكلامه حق . ودينه حق . والحق صفته . ومنه وله . فإذا رده العبد وتكبر عن قبوله : فإنما رد على الله ، وتكبر عليه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية