مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال : الدرجة الثالثة : معرفة العزم على التخلص من العزم . ثم الخلاص من [ ص: 344 ] تكاليف ترك العزم . فإن العزائم لم تورث أربابها ميراثا أكرم من وقوفهم على علل العزائم .

معرفة علة العزم هي نسبته إلى نفسه . فإذا عرف أن العزم مجرد فضل الله وإيثاره وتوفيقه ، وأنه ليس من العبد : فنسبته إياه بعد ذلك إلى نفسه علة قادحة فيه . فإذا لاح له لائح الكشف . وشهد توحيد الفضل ، علم حينئذ علة عزمه . وهو نسبته إياه إلى نفسه ، ورؤيته له . فإذا عرف هذه العلة عزم على التخلص منها بالعزم على التخلص من العزم .

وهذا قد يسبق منه إلى الذهن تناقض وتدافع . فكيف يتخلص من العزم بالعزم ؟ .

ومراده : أن يعزم على التخلص من العزم المنسوب إليه بالعزم الذي هو مجرد فضل الله وموهبته . ولا تناقض حينئذ . فيتخلص من العزم بالعزم ، كما ينازع القدر بالقدر .

وأما الخلاص من ترك تكاليف العزم .

فهو أنه إذا تخلص من هذا العزم وتركه : بقيت عليه بقية . وهي رؤيته أنه قد ترك . فعليه التخلص من رؤية هذا الترك . فهو يطلب الآن الخلاص من رؤية ترك العزم . كما كان يطلب ترك العزم .

قوله : فإن العزائم لم تورث أربابها ميراثا أكرم من وقوفهم على علل العزائم .

مدار علل العزائم : على ثلاثة أشياء .

أحدها : فتورها وضعفها .

الثاني : عدم تجردها من الأغراض وشوائب الحظوظ .

الثالث : رؤية العزائم وشهودها ، ونسبتها إلى أنفسهم .

فإذا عرف هذه الثلاثة : عرف علل العزائم .

والله المستعان . وهو سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية