مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى : الذكر الظاهر من : ثناء أو دعاء أو رعاية .

يريد بالظاهر : الجاري على اللسان المطابق للقلب ، لا مجرد الذكر اللساني ، فإن القوم لا يعتدون به .

فأما ذكر الثناء : فنحو : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وأما ذكر الدعاء فنحو : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين و : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث . ونحو ذلك .

وأما ذكر الرعاية : فمثل قول الذاكر : الله معي والله ناظر إلي ، الله شاهدي . ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله ، وفيه رعاية لمصلحة القلب ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة والاعتصام من الشيطان والنفس .

والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة ، فإنها متضمنة للثناء على الله والتعرض للدعاء والسؤال والتصريح به ، كما في الحديث : أفضل الدعاء الحمد لله قيل لسفيان بن عيينة : كيف جعلها دعاء قال : أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان يرجو نائله :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء     إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

فهذا مخلوق واكتفى من مخلوق بالثناء عليه من سؤاله ، فكيف برب العالمين ؟ .

والأذكار النبوية متضمنة أيضا لكمال الرعاية ومصلحة القلب والتحرز من [ ص: 407 ] الغفلات والاعتصام من الوساوس والشيطان ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية