مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل منزلة الغنى

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الغنى العالي .

وهو نوعان : غنى بالله ، وغنى عن غير الله ، وهما حقيقة الفقر . ولكن أرباب الطريق أفردوا للغنى منزلة .

قال صاحب " المنازل " رحمه الله : باب الغنى . قال الله تعالى : ووجدك عائلا فأغنى .

وفي الآية ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه أغناه من المال بعد فقره : وهذا قول أكثر المفسرين . لأنه قابله بقوله : عائلا ، والعائل : هو المحتاج . ليس ذا العيلة . فأغناه من المال .

[ ص: 420 ] والثاني : أنه أرضاه بما أعطاه . وأغناه به عن سواه . فهو غنى قلب ونفس ، لا غنى مال . وهو حقيقة الغنى .

والثالث : - وهو الصحيح - أنه يعم النوعين : نوعي الغنى ؛ فأغنى قلبه به . وأغناه من المال .

ثم قال : الغنى اسم للملك التام .

يعني أنه من كان مالكا من وجه دون وجه فليس بغني . وعلى هذا : فلا يستحق اسم الغني بالحقيقة إلا الله . وكل ما سواه فقير إليه بالذات .

التالي السابق


الخدمات العلمية