فصل  
قال : الدرجة الثالثة :  
الغنى بالحق     . وهو على ثلاث مراتب . المرتبة الأولى : شهود ذكره إياك . والثانية : دوام مطالعة أوليته . والثالثة : الفوز بوجوده .  
أما شهود ذكره إياك فقد تقدم قريبا .  
وأما مطالعة أوليته فهو سبقه للأشياء جميعا . فهو الأول الذي ليس قبله شيء .  
قال بعضهم . ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله .  
فإن قلت : وأي غنى يحصل للقلب من مطالعة أولية الرب ، وسبقه لكل شيء ؟ ومعلوم أن هذا حاصل لكل أحد ، من غني أو فقير ، فما وجه الغنى الحاصل به ؟  
قلت : إذا شهد القلب سبقه للأسباب ، وأنها كانت في حيز العدم . وهو الذي كساها حلة الوجود ، فهي معدومة بالذات . فقيرة إليه بالذات . وهو الموجود بذاته . والغني بذاته لا بغيره . فليس الغنى في الحقيقة إلا به ، كما أنه ليس في الحقيقة إلا له . فالغنى بغيره : عين الفقر . فإنه غنى بمعدوم فقير . وفقير كيف يستغني بفقير مثله ؟  
وأما الفوز بوجوده فإشارة القوم كلهم إلى هذا المعنى . وهو نهاية سفرهم . وفي الأثر الإلهي : ابن  
آدم ،   اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء . وإن فتك فاتك كل شيء . وأنا أحب إليك من كل شيء .  
ومن لم يعلم معنى وجوده لله عز وجل والفوز به : فليحث على رأسه الرماد . وليبك على نفسه . والله أعلم .