مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل في بيان تضمنها للرد على الرافضة وذلك من قوله اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها .

ووجه تضمنه إبطال قولهم : أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام : منعم عليهم وهم أهل الصراط المستقيم ، الذين عرفوا الحق واتبعوه ، ومغضوب عليهم [ ص: 94 ] وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه ، وضالون وهم الذين جهلوه فأخطئوه .

فكل من كان أعرف للحق ، وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم .

ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض ، فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جهلوا الحق وعرفه الروافض ، أو رفضوه وتمسك به الروافض .

ثم إنا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما ، فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر ، وقلبوها بلاد إسلام ، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى ، فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم ، ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان ، فإنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام ، وكم جروا على الإسلام وأهله من بلية ؟ وهل عاثت سيوف المشركين عباد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من التتار إلا من تحت رءوسهم ؟ وهل عطلت المساجد ، وحرقت المصاحف ، وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم وعبادهم وخليفتهم ، إلا بسببهم ومن جرائهم ؟ ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة والعامة ، وآثارهم في الدين معلومة .

فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم ؟ وأيهم أحق بالغضب والضلال إن كنتم تعلمون ؟

ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله : بأبي بكر وعمر ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم ، وهو كما فسروه ، فإنه صراطهم الذي كانوا عليه ، وهو عين صراط نبيهم ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، وغضب على أعدائهم ، وحكم لأعدائهم بالضلال ،وقال أبو العالية رفيع الرياحي والحسن البصري ، وهما من أجل التابعين [ ص: 95 ] : " الصراط المستقيم : رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه " ، وقال أبو العالية أيضا في قوله " صراط الذين أنعمت عليهم " : هم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر " ، وهذا حق ، فإن آله وأبا بكر وعمر على طريق واحدة ، ولا خلاف بينهم ، وموالاة بعضهم بعضا ، وثناؤهم عليهما ، ومحاربة من حاربا ، ومسالمة من سالما معلومة عند الأمة خاصها وعامها ، وقال زيد بن أسلم : الذين أنعم الله عليهم هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر .

ولا ريب أن المنعم عليهم هم أتباعه ، والمغضوب عليهم هم الخارجون عن اتباعه ، وأتبع الأمة له وأطوعهم أصحابه وأهل بيته ، وأتبع الصحابة له السمع والبصر ، أبو بكر وعمر ، وأشد الأمة مخالفة له هم الرافضة ، فخلافهم له معلوم عند جميع فرق الأمة ، ولهذا يبغضون السنة وأهلها ، ويعادونها ويعادون أهلها ، فهم أعداء سنته صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيته وأتباعه من بنيهم أكمل ميراثا ؟ بل هم ورثته حقا .

فقد تبين أن الصراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه ، وطريق أهل الغضب والضلال طريق الرافضة .

وبهذه الطريق بعينها يرد على الخوارج ، فإن معاداتهم الصحابة معروفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية