مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثالثة : الإحسان في الوقت . وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا . ولا تخلط بهمتك أحدا . وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا .

أي لا تفارق حال الشهود . وهذا إنما يقدر عليه أهل التمكن الذين ظفروا بنفوسهم وقطعوا المسافات التي بين النفس وبين القلب . والمسافات التي بين القلب وبين الله ، بمجاهدة القطاع التي على تلك المسافات .

قوله : ولا تخلط بهمتك أحدا .

يعني : أن تعلق همتك بالحق وحده . ولا تعلق همتك بأحد غيره . فإن ذلك شرك في طريق الصادقين .

قوله : وأن تجعل هجرتك إلى الحق سرمدا .

يعني : أن كل متوجه إلى الله بالصدق والإخلاص ، فإنه من المهاجرين إليه . فلا ينبغي أن يتخلف عن هذه الهجرة ، بل ينبغي أن يصحبها سرمدا . حتى يلحق بالله عز وجل .


فما هي إلا ساعة . ثم تنقضي ويحمد غب السير من هو سائر

ولله على كل قلب هجرتان . وهما فرض لازم له على الأنفاس :

هجرة إلى الله سبحانه بالتوحيد والإخلاص ، والإنابة والحب ، والخوف والرجاء والعبودية .

[ ص: 434 ] وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم : بالتحكيم له والتسليم والتفويض ، والانقياد لحكمه ، وتلقي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته . فيكون تعبده به أعظم من تعبد الركب بالدليل الماهر في ظلم الليل ، ومتاهات الطريق .

فما لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحث على رأسه الرماد . وليراجع الإيمان من أصله . فيرجع وراءه ليقتبس نورا ، قبل أن يحال بينه وبينه ، ويقال له ذلك على الصراط من وراء السور . والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية