مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : علم جلي . به يقع العيان . واستفاضة صحيحة ، أو صحة تجربة قديمة .

يريد بالجلي : الظاهر ، الذي لا خفاء به . وجعله ثلاثة أنواع .

أحدها : ما وقع عن عيان . وهو البصر .

والثاني : ما استند إلى السمع . وهو علم الاستفاضة .

والثالث : ما استند إلى العقل . وهو علم التجربة .

فهذه الطرق الثلاثة - وهي السمع ، والبصر ، والعقل - هي طرق العلم وأبوابه ولا تنحصر طرق العلم فيما ذكره . فإن سائر الحواس توجب العلم .

[ ص: 443 ] وكذا ما يدرك بالباطن . وهي الوجدانيات .

وكذا ما يدرك بخبر المخبر الصادق ، وإن كان واحدا .

وكذا ما يحصل بالفكر والاستنباط . وإن لم يكن عن تجربة .

فالعلم لا يتوقف على هذه الثلاثة التي ذكرها فقط .

والفرق بينه وبين المعرفة من وجوه ثلاثة .

أحدها : أن المعرفة لب العلم ، ونسبة العلم إليها كنسبة الإيمان إلى الإحسان . وهي علم خاص ، متعلقها أخفى من متعلق العلم وأدق .

والثاني : أن المعرفة هي العلم الذي يراعيه صاحبه بموجبه ومقتضاه . فهي علم تتصل به الرعاية .

والثالث : أن المعرفة شاهد لنفسها ، وهي بمنزلة الأمور الوجدانية ، التي لا يمكن صاحبها أن يشك فيها ، ولا ينتقل عنها .

وكشف المعرفة أتم من كشف العلم . والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية