مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثالثة : فراسة سرية ، لم تجتلبها روية على لسان مصطنع تصريحا أو رمزا .

يحتمل لفظ السرية وجهين :

أحدهما : الشرف . أي فراسة شريفة . فإن الرجل السري هو الرجل الشريف . وجمعه سراة ، ومنه - في أحد التأويلين - قوله تعالى : قد جعل ربك تحتك سريا أي سيدا مطاعا . وهو المسيح . وعلى هذا يكون سرية بوزن شريفة .

والثاني : أن يكون من السر ، أي فراسة متعلقة بالأسرار لا بالظواهر، فتكون سرية بوزن شريبة ومكيثة .

قوله : لم تجتلبها روية أي لا تكون عن فكرة . بل تهجم على القلب هجوما لا يعرف سببه .

قوله : على لسان مصطنع أي مختار مصطفى على غيره .

تصريحا أو رمزا

يعني أن هذا المختار المصطفى يخبر بهذه الفراسة العالية عن أمور مغيبة ، تارة بالتصريح ، وتارة بالتلويح ، إما سترا لحاله ، وإما صيانة لما أخبر به عن الابتذال ، ووصوله إلى غير أهله . وإما لغير ذلك من الأسباب . والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية