مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

وأما طمأنينة الجمع إلى البقاء فمشهد شريف فاضل . وهو مشهد الكمل . فإن حضرة الجمع تعفي الآثار ، وتمحو الأغيار . وتحول بين الشاهد وبين رؤية القلب للخلق . فيرى الحق سبحانه وحده قائما بذاته . ويرى كل شيء قائما به ، متوحدا في كثرة أسمائه وأفعاله وصفاته . ولا يرى معه غيره ولا يشهده عكس حال من يشهد غيره . وليس الشأن في هذا الشهود ، فإن صاحبه في مقام الفناء . فإن لم ينتقل منه إلى مقام البقاء وإلا انقطع انقطاعا كليا . ففي هذا المقام : إن لم يطمئن إلى حصول البقاء وإلا عطل الأمر . وخلع ربقة العبودية من عنقه . فإذا اطمأن إلى البقاء طمأنينة من يعلم أنه لا بد له منه ، وإن لم يصحبه وإلا فسد وهلك - كان هذا من طمأنينة الجمع إلى البقاء . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية