مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 5 ] فصل منزلة الهمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " منزلة الهمة

وقد صدرها صاحب المنازل بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى .

وقد تقدم : أنه صدر بها باب الأدب ، وذكرنا وجهه .

وأما وجه تصدير " الهمة " بها : فهو الإشارة إلى أن همته - صلى الله عليه وسلم - ما تعلقت بسوى مشهوده ، وما أقيم فيه . ولو تجاوزته همته لتبعها بصره .

والهمة فعلة من الهم . وهو مبدأ الإرادة . ولكن خصوها بنهاية الإرادة . فالهم مبدؤها . والهمة نهايتها .

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : في بعض الآثار الإلهية ، يقول الله تعالى : إني لا أنظر إلى كلام الحكيم . وإنما أنظر إلى همته .

قال : والعامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن . والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب . يريد : أن قيمة المرء همته ومطلبه .

قال صاحب المنازل :

[ ص: 6 ] الهمة : ما يملك الانبعاث للمقصود صرفا . لا يتمالك صاحبها . ولا يلتفت عنها .

قوله " يملك الانبعاث للمقصود " أي يستولي عليه كاستيلاء المالك على المملوك ، وصرفا أي خالصا صرفا .

والمراد : أن همة العبد إذا تعلقت بالحق تعالى طلبا صادقا خالصا محضا . فتلك هي الهمة العالية ، التي لا يتمالك صاحبها أي : لا يقدر على المهلة . ولا يتمالك صبره ؛ لغلبة سلطانه عليه . وشدة إلزامها إياه بطلب المقصود ، ولا يلتفت عنها إلى ما سوى أحكامها . وصاحب هذه الهمة : سريع وصوله وظفره بمطلوبه . ما لم تعقه العوائق ، وتقطعه العلائق . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية