مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل الدهش

وقد تعرض للسالك دهشة في حال سلوكه ، شبيهة بالبهتة التي تحصل للعبد عند مفاجأة رؤية محبوبه . وليست من منازل السلوك . خلافا لأبي إسماعيل الأنصاري حيث جعلها من المنازل . بل من غاياتها . فإن هذه الحالة ليست مذكورة في القرآن ولا في السنة ولا في كلام السالكين . ولا عدها أحد من المتقدمين من المنازل والمقامات . ولهذا لم يجد ما يستشهد به عليها سوى حال النسوة مع يوسف عليه السلام ، لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن .

فصدر الباب بقوله تعالى فلما رأينه أكبرنه أي أعظمنه .

فإن كان المقصود : ما حصل لهن من إعظامه وإجلاله : فذلك منزلة التعظيم . وإن كان مراده : ما ترتب على رؤيته لهن ، من غيبتهن عن أنفسهن وعن أيديهن ، وما فيها حتى قطعنها : فتلك منزلة الفناء .

وإن كان مقصوده : الدهشة والبهتة التي حصلت لهن عند مفاجأته - وهو الذي قصده - فذلك أمر عارض من عوارض الطريق عند مفاجأة ما يغلب على صبر الإنسان وعقله . ولا ريب أن ذلك عارض من عوارض الطريق ليس بمقام للسالكين ، ولا منزل مطلوب لهم . فعوارض الطريق شيء . ومنازلها ومقاماتها شيء .

فلهذا قال في تعريفه الدهش : بهتة تأخذ العبد عند مفاجأة ما يغلب على عقله ، أو صبره ، أو علمه .

[ ص: 76 ] يشير إلى الشهود الذي يغلب على عقله ، والحب الذي يغلب على صبره ، والحال التي تغلب على علمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية