مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل ومنها النفس

قال صاحب المنازل :

( باب النفس ) قال الله تعالى : فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك .

[ ص: 176 ] وجه إشارته بالآية : أن النفس يكون بعد مفارقة الحال ، وانفصاله عن صاحبه ، فشبه الحال بالشيء الذي يأخذ صاحبه فيغته ويغطه ، حتى إذا أقلع عنه تنفس نفسا يستريح به ويستروح .

قال : ويسمى النفس : نفسا ، لتروح المتنفس به

" التنفيس " هو الترويح ، يقال : نفس الله عنك الكرب ؛ أي : أراحك منه ، وفي الحديث الصحيح : من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .

وهذه الأحرف الثلاثة وهي النون والفاء وما يثلثهما تدل حيث وجدت على الخروج والانفصال ، فمنه النفل ؛ لأنه زائد على الأصل خارج عنه ، ومنه : النفر ، والنفي ، والنفس ، ونفقت الدابة ، ونفست المرأة ونفست : إذا حاضت أو ولدت ، فالنفس : خروج وانفصال يستريح به المتنفس .

قال : وهو على ثلاث درجات ، وهي تشابه درجات الوقت

وجه الشبه بينهما : أن الأوقات تعد بالأنفاس كدرجاتها .

وأيضا فالوقت ، كما قال هو : " حين وجد صادق " فقيد الحين بالوجد ، والوجد بالصدق ، وقال في هذا الباب : هو نفس في حين استتار ، فقيد النفس بالحين وبالوجد ، [ ص: 177 ] وقيد به الوقت ، فهو معتبر بهما .

وأيضا فالوقت والنفس لهما أسباب تعرض للقلب بسبب حجبه عن مطلوبه ، أو مفارقة حال كان فيها فاستترت عنه ، فبينهما تشابه من هذه الوجوه وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية