مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : غربة الحال ، وهذا من الغرباء الذين طوبى لهم ، وهو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين ، أو عالم بين قوم جاهلين ، أو صديق بين قوم منافقين .

يريد بالحال هاهنا : الوصف الذي قام به من الدين والتمسك بالسنة ، ولا يريد به الحال الاصطلاحي عند القوم ، والمراد به : العالم بالحق ، العامل به ، الداعي إليه .

وجعل الشيخ الغرباء في هذه الدرجة ثلاثة أنواع : صاحب صلاح ودين بين قوم فاسدين ، وصاحب علم ومعرفة بين قوم جهال ، وصاحب صدق وإخلاص بين أهل [ ص: 193 ] كذب ونفاق ، فإن صفات هؤلاء وأحوالهم تنافي صفات من هم بين أظهرهم ، فمثل هؤلاء بين أولئك كمثل الطير الغريب بين الطيور ، والكلب الغريب بين الكلاب .

والصديق هو الذي صدق في قوله وفعله ، وصدق الحق بقوله وعمله ، فقد انجذبت قواه كلها للانقياد لله ولرسوله ، عكس المنافق الذي ظاهره خلاف باطنه وقوله خلاف عمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية