مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

ودفع القدر بالقدر نوعان :

أحدهما : دفع القدر الذي قد انعقدت بأسبابه - ولما يقع - بأسباب أخرى من القدر تقابله ، فيمتنع وقوعه ، كدفع العدو بقتاله ، ودفع الحر والبرد ونحوه .

الثاني : دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله ، كدفع قدر المرض بقدر التداوي ، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة ، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان .

فهذا شأن العارفين وشأن الأقدار ، لا الاستسلام لها ، وترك الحركة والحيلة ، فإنه عجز ، والله تعالى يلوم على العجز ، فإذا غلب العبد ، وضاقت به الحيل ، ولم يبق له مجال ، فهنالك الاستسلام للقدر ، والانطراح كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء ، وهنا ينفع الفناء في القدر ، علما وحالا وشهودا ، وأما في حال القدرة ، وحصول الأسباب ، فالفناء النافع : أن يفنى عن الخلق بحكم الله ، وعن هواه بأمر الله ، وعن إرادته ومحبته بإرادة الله ومحبته ، وعن حوله وقوته بحول الله وقوته وإعانته ، فهذا الذي قام بحقيقة " إياك نعبد وإياك نستعين " علما وحالا ، وبالله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية