بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان ما يسقط به نصف المهر فما يسقط به نصف المهر نوعان : .

نوع يسقط به نصف المهر صورة ومعنى ، ونوع يسقط به نصف المهر معنى والكل صورة ، أما النوع الأول فهو الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر ، والمهر دين لم يقبض بعد .

وجملة الكلام فيه أن الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية قد يسقط به عن الزوج نصف المهر ، وقد يعود به إليه النصف وقد يكون له به مثل النصف صورة ومعنى أو معنى لا صورة ، وبيان هذه الجملة أن المهر المسمى إما أن يكون دينا وإما أن يكون عينا ، وكل ذلك لا يخلو إما أن يكون مقبوضا وإما أن يكون غير [ ص: 297 ] مقبوض ، فإن كان دينا فلم يقبضه حتى طلقها قبل الدخول بها سقط نصف المسمى بالطلاق وبقي النصف هذا طريق عامة المشايخ .

وقال بعضهم : إن الطلاق قبل الدخول يسقط جميع المسمى وإنما يجب نصف آخر ابتداء على طريقة المتعة لا بالعقد إلا أن هذه المتعة مقدرة بنصف المسمى ، والمتعة في الطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه غير مقدرة بنصف مهر المثل ، وإلى هذا الطريق ذهب الكرخي والرازي وكذا روي عن إبراهيم النخعي أنه قال في الذي طلق قبل الدخول وقد سمى لها : إن لها نصف المهر ، وذلك متعتها واحتجوا بقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن } أوجب الله تعالى المتعة في الطلاق قبل الدخول من غير فصل بين ما إذا كان في النكاح تسمية أو لم يكن ; إلا أن هذه المتعة قدرت بنصف المسمى بدليل آخر وهو قوله عز وجل : { فنصف ما فرضتم } ، ولأن النكاح انفسخ بالطلاق قبل الدخول ; لأن المعقود عليه عاد سليما إلى المرأة ، وسلامة المبدل لأحد المتعاقدين يقتضي سلامة البدل للآخر كما في الإقالة في باب البيع قبل القبض ، وهذا لأن المبدل إذا عاد سليما إلى المرأة فلو لم تسلم البدل إلى الزوج لاجتمع البدل والمبدل في ملك واحد في عقد المعاوضة وهذا لا يجوز ، ولهذا المعنى سقط الثمن عن المشتري بالإقالة قبل القبض كذا المهر ، ولعامة المشايخ قوله عز وجل : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } أوجب سبحانه وتعالى نصف المفروض ، فإيجاب نصف آخر على طريق المتعة إيجاب ما ليس بمفروض ، وهذا خلاف النص ، ولأن الطلاق تصرف في الملك بالإبطال وضعا ; لأنه موضوع لرفع القيد وهو الملك فكان تصرفا في الملك ثم إذا بطل الملك لا يبقى النكاح في المستقبل وينتهي لعدم فائدة البقاء ويتقرر فيما مضى بمنزلة الإعتاق ; لأنه إسقاط الملك فيكون تصرفا في الملك ثم السبب ينتهي في المستقبل ; لعدم فائدة البقاء ، ويتقرر فيما مضى كذا الطلاق .

وكان ينبغي أن لا يسقط شيء من المهر كما لا يسقط بالموت إلا أن سقوط النصف ثبت بدليل ; ولأن المهر يجب بإحداث ملك المتعة جبرا للذل بالقدر الممكن وبالطلاق لا يتبين أن الملك لم يكن إلا أنه سقط بالنص .

وأما النص فقد قيل : إنه منسوخ بالنص الذي في سورة البقرة وهو قوله عز وجل : " وإن طلقتموهن " الآية أو يحمل الأمر بالتمتع على الندب والاستحباب أو يحمل على الطلاق في نكاح لا تسمية فيه عملا بالدلائل ، وقولهم : ( الطلاق فسخ النكاح ) ممنوع بل هو تصرف في الملك بالقطع والإبطال فيظهر أثره في المستقبل كالإعتاق ، وبه تبين أن المعقود عليه ما عاد إلى المرأة ; لأن المعقود عليه هو ملك المتعة وأنه لا يعود إلى المرأة بل يبطل ملك الزوج عن المتعة بالطلاق ويصير لها في المستقبل إلا أن يعود ، أو يقال : إن الطلاق قبل الدخول يشبه الفسخ لما قالوا ، ويشبه الإبطال لما قلنا : وشبه الفسخ يقتضي سقوط كل البدل كما في الإقالة قبل القبض ، وشبه الإبطال يقتضي أن لا يسقط شيء من البدل كما في الإعتاق قبل القبض فيتنصف توفير الحكم على الشبهين عملا بهما بقدر الإمكان ، والدليل على صحة هذا الطريق ما ظهر من القول عن أصحابنا فيمن تزوج امرأة على خمس من الإبل السائمة وسلمها إلى المرأة فحال عليها الحول ثم طلقها قبل الدخول بها أنه يسقط عنها نصف الزكاة .

ولو سقط المسمى كله ثم وجب نصفه بسبب آخر لسقط كل الزكاة ; ولأن القول - بسقوط كل المهر ثم يوجب نصفه - غير مفيد ، والشرع لا يرد بما لا فائدة فيه والله عز وجل أعلم .

ولو شرط مع المسمى الذي هو مال ما ليس بمال بأن تزوجها على ألف درهم ، وعلى أن يطلق امرأته الأخرى أو على أن لا يخرجها من بلدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى وسقط الشرط ; لأن هذا شرط إذا لم يقع الوفاء به يجب تمام مهر المثل ، ومهر المثل لا يثبت في الطلاق قبل الدخول فسقط اعتباره فلم يبق إلا المسمى فيتنصف ، وكذلك إن شرط مع المسمى شيئا مجهولا كما إذا تزوجها على ألف درهم وكرامتها أو على ألف درهم وأن يهدي إليها هدية ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى ; لأنه إذا لم يف بالكرامة والهدية يجب تمام مهر المثل ، ومهر المثل لا مدخل له في الطلاق قبل الدخول فسقط اعتبار هذا الشرط ، وكذلك لو تزوجها على ألف أو على ألفين حتى وجب مهر المثل في قول أبي حنيفة ، وفي قولهما : الأقل ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الألف بالإجماع [ ص: 298 ] أما عند أبي حنيفة فلأن الواجب هو مهر المثل وأنه لا يثبت في الطلاق قبل الدخول .

وأما عندهما فلأن الواجب هو الأقل فيتنصف ، وكذلك لو تزوجها على ألف إن لم يكن له امرأة وعلى ألفين إن كانت له امرأة حتى فسد الشرط التالي عند أبي حنيفة فطلقها قبل الدخول ، فلها نصف الأقل لما قلنا .

وعندهما الشرطان جائزان فأيهما وجد فلها نصف ذلك بالطلاق قبل الدخول .

ولو تزوجها على أقل من عشرة ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف ما سمى وتمام خمسة دراهم ; لأن تسمية ما دون العشرة تسمية للعشرة عندنا فكأنه تزوجها على ذلك الشيء وتمام عشرة دراهم ، وإن كان قد قبضته فإن كان دراهم أو دنانير معينة أو غير معينة أو كان مكيلا أو موزونا في الذمة فقبضته وهو قائم في يدها فطلقها فعليها رد نصف المقبوض وليس عليها رد عين ما قبضت ; لأن عين المقبوض لم يكن واجبا بالعقد فلا يكن واجبا بالفسخ .

وأما على أصل زفر فالدراهم والدنانير تتعين بالعقد فتتعين بالفسخ فعليها رد نصف عين المقبوص إن كان قائما ، وإن كان عبدا وسطا أو ثوبا وسطا فسلمه إليها ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها رد نصف المقبوض ; لأن العبد لا مثل له ، والأصل فيما لا مثل له أنه لا يجب في الذمة إلا أنه وجب الوسط منه في الذمة وتحملت الجهالة فيه لما ذكرنا فيما تقدم ، فإذا تعين بالقبض كان إيجاب نصف العين أعدل من إيجاب المثل أو القيمة فوجب عليها رد نصف عين المقبوض كما لو كان معينا فقبضته ولا يملكه الزوج بنفس الطلاق لما نذكر ، وهذا إذا كان المهر دينا فقبضته أو لم تقبضه حتى ورد الطلاق قبل الدخول .

فأما إذا كان عينا بأن كان معينا مشارا إليه مما يحتمل التعيين كالعبد والجارية وسائر الأعيان فلا يخلو إما إن كان بحاله لم يزد ولم ينقص وإما إن زاد أو نقص فإن كان بحاله لم يزد ولم ينقص فإن كان غير مقبوض فطلقها قبل الدخول بها عاد الملك في النصف إليه بنفس الطلاق ، ولا يحتاج للعود إليه إلى الفسخ والتسليم منها حتى لو كان المهر أمة فأعتقها الزوج قبل الفسخ والتسليم ينفذ إعتاقه في نصفها بلا خلاف ، وإن كان مقبوضا لا يعود الملك في النصف إليه بنفس الطلاق ولا ينفسخ ملكها في النصف حتى يفسخه الحاكم أو تسلمه المرأة .

وذكر ذلك في الزيادات وزاد عليه الفسخ من الزوج وهو أن يقول : ( قد فسخت ) هذا جواب ظاهر الرواية .

وروي عن أبي يوسف أنه ينفسخ ملكها في النصف بنفس الطلاق وهو قول زفر حتى لو كان المهر أمة فأعتقها قبل الفسخ والتسليم جاز إعتاقها في جميعها ، ولا يجوز إعتاق الزوج فيها وعلى قول أبي يوسف لا يجوز إعتاقها إلا في النصف ويجوز إعتاق الزوج في نصفها .

( وجه ) قول أبي يوسف أن الموجب للعود هو الطلاق ، وقد وجد فيعود ملك الزوج كالبيع إذا فسخ قبل القبض أنه يعود ملك البائع بنفس الفسخ كذا هذا وجه قولهما : أن العقد وإن انفسخ بالطلاق فقد بقي القبض بالتسليط الحاصل بالعقد وأنه من أسباب الملك عندنا فكان سبب الملك قائما ، فكان الملك قائما فلا يزول إلا بالفسخ من القاضي ; لأنه فسخ سبب الملك أو بتسليمها ; لأن تسليمها نقض للقبض حقيقة أو بفسخ الزوج على رواية الزيادات ; لأنه بمنزلة المقبوض بحكم عقد فاسد ، وكل واحد من العاقدين بسبيل من فسخ عقد البيع الفاسد ، وصار كما لو اشترى عبدا بجارية فقبض العبد ولم يسلم الجارية حتى هلكت الجارية في يده أنه ينفسخ العقد في الجارية ويبقى الملك في العبد المقبوض إلى أن يسترده ، كأنه مقبوض بحكم عقد فاسد كذا هذا ; ولأن المهر بدل يملك بالعقد ملكا مطلقا فلا ينفسخ الملك فيه بفعل أحد العاقدين كالثمن في باب البيع بخلاف ما قبل القبض لأن غير القبض ليس بمملوك ملكا مطلقا هذا إذا كان المهر بحاله لم يزد ولم ينقص .

فأما إذا زاد فالزيادة لا تخلو إما إن كانت في المهر أو على المهر فإن كانت على المهر بأن سمى الزوج لها ألفا ثم زادها بعد العقد مائة ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الألف وبطلت الزيادة في ظاهر الرواية ، وروي عن أبي يوسف أن لها نصف الألف ونصف الزيادة أيضا .

( وجه ) رواية أبي يوسف قوله عز وجل : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } والزيادة مفروضة فيجب تنصيفها في الطلاق قبل الدخول ; ولأن الزيادة تلتحق بأصل العقد على أصل أصحابنا كالزيادة في الثمن في باب البيع ، ويجعل كأن العقد ورد على الأصل والزيادة جميعا فيتنصف بالطلاق قبل الدخول كالأصل .

وجه ظاهر الرواية أن هذه الزيادة لم تكن مسماة في العقد حقيقة ، وما لم يكن مسمى في العقد فورود [ ص: 299 ] الطلاق قبل الدخول يبطله كمهر المثل .

وأما قوله : الزيادة تلتحق بأصل العقد قلنا : الزيادة على المهر لا تلتحق بأصل العقد لأنها وجدت متأخرة عن العقد حقيقة ، وإلحاق المتأخر عن العقد بالعقد خلاف الحقيقة فلا يصار إليه إلا لحاجة ، والحاجة إلى ذلك في باب البيع ; لكونه عقد معاينة ومبادلة المال بالمال فتقع الحاجة إلى الزيادة دفعا للخسران ، وليس النكاح عقد معاينة ولا مبادلة المال بالمال ولا يحترز به عن الخسران فلا ضرورة إلى تغيير الحقيقة .

وأما النص فالمراد منه الفرض في العقد لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه ، والدليل عليه قوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم } فدل أن الزيادة ليست بفريضة وإن كانت في المهر ، فالمهر لا يخلو إما أن يكون في يد الزوج وإما أن يكون في يد المرأة فإن كان في يد الزوج ، فالزيادة لا تخلو إما إن كانت متصلة بالأصل وإما إن كانت منفصلة عنه ، والمتصلة لا تخلو من أن تكون متولدة من الأصل كالسمن والكبر والجمال والبصر والسمع والنطق ، كانجلاء بياض العين وزوال الخرس والصمم ، والشجر إذا أثمر والأرض إذا زرعت أو غير متولدة منه كالثوب إذا صبغ والأرض إذا بني فيها بناء .

وكذا المنفصلة لا تخلو إما إن كانت متولدة من الأصل كالولد والوبر والصوف إذا جز والشعر إذا أزيل والثمر إذا جد والزرع إذا حصد أو كانت في حكم المتولد منه كالأرش والعقر وأما إن كانت غير متولدة منه ولا في حكم المتولد كالهبة والكسب فإن كانت الزيادة متولدة من الأصل أو في حكم المتولد فهي مهر ، سواء كانت متصلة بالأصل أو منفصلة عنه حتى لو طلقها قبل الدخول بها يتنصف الأصل والزيادة جميعا بالإجماع ; لأن الزيادة تابعة للأصل لكونها نماء الأصل ، والأرش بدل جزء هو مهر فليقم مقامه ، والعقر بدل ما هو في حكم الجزء فكان بمنزلة المتولد من المهر ، فإذا حدثت قبل القبض وللقبض شبه بالعقد فكان وجودها عند القبض كوجودها عند العقد فكانت محلا للفسخ ، وإن كانت غير متولدة من الأصل فإن كانت متصلة بالأصل فإنها تمنع التنصيف وعليها نصف قيمة الأصل ; لأن هذه الزيادة ليست بمهر لا مقصودا ولا تبعا ; لأنها لم تتولد من المهر فلا تكون مهرا فلا تتنصف ، ولا يمكن تنصيف الأصل بدون تنصيف الزيادة فامتنع التنصيف فيجب عليها نصف قيمة الأصل يوم الزيادة ; لأنها بالزيادة صارت قابضة للأصل فتعتبر قيمته يوم حكم بالقبض ، وإن كانت منفصلة عن الأصل فالزيادة ليست بمهر ، وهي كلها للمرأة في قول أبي حنيفة ولا تتنصف ويتنصف الأصل ، وعند أبي يوسف ومحمد هي مهر فتتنصف مع الأصل .

( ووجه ) قولهما : أن هذه الزيادة تملك بملك الأصل فكانت تابعة للأصل فتتنصف مع الأصل كالزيادة المتصلة والمنفصلة المتولدة من الأصل كالسمن والولد ، ولأبي حنيفة أن هذه الزيادة ليست بمهر لا مقصودا ولا تبعا ، أما مقصودا فظاهر ; لأن العقد ما ورد عليها مقصودا .

وكذا هي غير مقصودة بملك الجارية ; لأنه لا يقصد بتملك الجارية الهبة لها .

وأما تبعا ; فلأنها ليست بمتولدة من الأصل فدل أنها ليست بمهر لا قصدا ولا تبعا ، وإنما هي مال المرأة فأشبهت سائر أموالها بخلاف الزيادة المتصلة المتولدة والمنفصلة المتولدة ; لأنها نماء المهر فكانت جزءا من أجزائه فتتنصف كما يتنصف الأصل .

ولو آجر الزوج المهر بغير إذن المرأة فالأجرة له ; لأن المنافع ليست بأموال متقومة بأنفسها عندنا ، وإنما تأخذ حكم المالية والتقوم بالعقد ، والعقد صدر من الزوج فكانت الأجرة له كالغاصب إذا آجر المغصوب ، ويتصدق بالأجرة ; لأنها مال حصل بسبب محظور وهو التصرف في ملك الغير بغير إذنه فيتمكن فيه الخبث فكان سبيله التصدق به هذا إذا كان المهر في يد الزوج فحدثت فيه الزيادة .

فأما إذا كان في يد المرأة أي : قبل الفرقة ، فإن كانت الزيادة متصلة متولدة من الأصل فإنها تمنع التنصيف في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وللزوج عليها نصف القيمة يوم سلمه إليها .

وقال محمد : لا تمنع ويتنصف الأصل مع الزيادة ، واحتج بقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } جعل سبحانه وتعالى في الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه فرض نصف المفروض فمن جعل فيه نصف قيمة المفروض فقد خالف النص ، وإذا وجب تنصيف أصل المفروض ولا يمكن تنصيفه إلا بتنصيف الزيادة فيجب تنصيف الزيادة ضرورة ، ولأن هذه الزيادة [ ص: 300 ] تابعة للأصل من كل وجه ; لأنها قائمة به ، والأصل مهر فكذا الزيادة بخلاف الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل ; لأنها ليست بتابعة محضة ; لأن الولد بالانفصال صار أصلا بنفسه فلم يكن مهرا وبخلاف الزيادة المتصلة في الهبة أنها تمنع من الرجوع والاسترداد ; لأن حق الرجوع في الهبة ليس بثابت بيقين لكونه محل الاجتهاد فلا يمكن إلحاق الزيادة بحالة العقد فتعذر إيراد الفسخ عليها فيمنع الرجوع .

وجه قولهما : أن هذه الزيادة لم تكن موجودة عند العقد ولا عند ما له شبه بالعقد وهو القبض فلا يكون لها حكم المهر فلا يمكن فسخ العقد فيها بالطلاق قبل الدخول ; لأن الفسخ إنما يرد على ما ورد عليه العقد والعقد لم يرد عليه أصلا فلا يرد عليه الفسخ كالزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل ، ولأنه لو نقض العقد ، فإما أن يرد نصف الأصل مع نصف الزيادة أو بدون الزيادة لا سبيل إلى الثاني ; لأنه لا يتصور رد الأصل بدون رد الزيادة المتصلة ولا سبيل إلى الأول ; لأنه يؤدي إلى الربا ; لأنها إذا لم تكن محلا للفسخ لعدم ورود العقد عليها كان أخذ الزيادة منها أخذ مال بلا عوض في عقد المعاوضة ، وهذا تفسير الربا ; ويجب نصف قيمة المفروض لا نصف المفروض ; لأن المفروض صار بمنزلة الهالك .

وأما الآية الكريمة فلا حجة له فيها ; لأن مطلق المفروض ينصرف إلى المفروض المتعارف وهو الأثمان دون السلع ، والأثمان لا تحتمل الزيادة والنقصان وعلى هذا الاختلاف الزيادة المتصلة في البيع إذا اختلفا أنها تمنع التحالف ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد لا تمنع ولو هلكت هذه الزيادة في يد الزوج ثم طلقها فلها نصف الأصل ; لأن المانع من التنصيف قد ارتفع ، وإن كانت متصلة غير متولدة من الأصل فإنها تمنع التنصيف ، وعليها نصف قيمة الأصل لما بينا فيما تقدم ، وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل فإنها تمنع التنصيف في قول أصحابنا الثلاثة ، وعليها رد نصف قيمة الأصل إلى الزوج وقال زفر : لا تمنع ويتنصف الأصل مع الزيادة ، وإن كانت منفصلة غير متولدة من الأصل فهي لها خاصة والأصل بينهما نصفان بالإجماع .

( وجه ) قول زفر : أن الزيادة تابعة للأصل ; لأنها متولدة منه فتتنصف مع الأصل كالزيادة الحادثة قبل القبض ( ولنا ) أن هذه الزيادة لم تكن عند العقد ولا عند القبض فلم تكن مهرا ، والفسخ إنما يرد على ما له حكم المهر فلا تتنصف وتبقى على ملك المرأة كما كانت قبل الطلاق ، ولا يمكن تنصيف الأصل بدون الزيادة ، وهو رد نصف الجارية بدون الولد ; لأنها لا يصير لها فضل أصل فسخ العقد فيه ما لم يكن لها ذلك ، والأصل أن لا تبدل من غير بدل ، وذلك وصف الربا وأنه حرام فإذا تعذر تنصيف المفروض لمكان الربا يجعل المفروض كالهالك ; لأنه في حق كونه معجوز التسليم إلى الزوج بمنزلة الهالك فيجب نصف القيمة ليزول معنى الربا ، والله عز وجل أعلم .

وكذلك لو ارتدت أو قبلت ابن زوجها قبل الدخول بها بعدما حدثت الزيادة في يد المرأة ، فذلك كله لها وعليها رد قيمة الأصل يوم قبضت كذا ذكر أبو يوسف في الأصل وهو قول محمد .

وروي عن أبي يوسف أنها ترد الأصل والزيادة ففرق بين الردة والتقبيل وبين الطلاق فقال في الطلاق : ترد نصف قيمة الأصل ، وفي الردة والتقبيل ترد الأصل والزيادة جميعا .

( ووجه ) الفرق أن الردة والتقبيل فسخ العقد من الأصل ، وجعل إياه كأن لم يكن فصار كمن باع عبدا بجارية وقبض الجارية ولم يدفع العبد حتى ولدت ثم مات العبد قبل أن يدفعه أنه يأخذ الجارية وولدها ; لانفساخ العقد من الأصل بموت العبد في يد بائعه كذا هذا بخلاف الطلاق فإنه إطلاق وحل للعقد وليس بفسخ فينحل العقد وتطلق أو يرتفع من حين الطلاق لا من الأصل .

( وجه ) ظاهر الرواية أن المعقود عليه في الفصلين جميعا أعني الطلاق والردة يعود سليما إلى المرأة كما كان إلا أن الطلاق قبل الدخول طلاق من وجه وفسخ من وجه ، فأوجب عود نصف البدل عملا بالشبهين ، والردة والتقبيل كل واحد منهما فسخ من كل وجه فيوجب عود الكل إلى الزوج هذا كله إذا حدثت الزيادة قبل الطلاق .

فأما إذا حدثت بعد الطلاق بأن طلقها ، ثم حدثت الزيادة فلا يخلو إما أن حدثت بعد القضاء بالنصف للزوج ، وإما أن حدثت قبل القضاء وكل ذلك قبل القبض أو بعده فإن حدثت قبل القبض ، فالأصل والزيادة بينهما نصفان سواء وجد القضاء أو لم يوجد ; لأنه كما وجد الطلاق عاد نصف المهر إلى الزوج بنفس الطلاق وصار بينهما نصفين فالزيادة حدثت على [ ص: 301 ] ملكيهما ، فتكون بينهما ، وإن حدثت بعد القبض ، فإن كانت بعد القضاء بالنصف للزوج ، فكذلك الجواب ; لأنه لما قضى به ، فقد عاد نصف المهر إلى الزوج ، فحصلت الزيادة على الملكين ، فكانت بينهما ، وإن كان قبل القضاء بالنصف للزوج ، فالمهر في يدها كالمقبوض بعقد فاسد ; لأن الملك كان لها ، وقد فسخ ملكها في النصف بالطلاق حتى لو كان المهر عبدا .

فأعتقه بعد الطلاق قبل القضاء بالنصف للزوج جاز إعتاقها ، ولو أعتقه الزوج لا ينفذ ، وإن قضى القاضي له بعد ذلك كالبائع إذا أعتق العبد المبيع بيعا فاسدا أنه لا ينفذ عتقه ، وإن رد عليه بعد ذلك كذا ههنا هذا الذي ذكرنا حكم الزيادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية