بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما حكم .

اختلاف الزوجين في المهر .

فجملة الكلام فيه أن الاختلاف في المهر إما أن يكون في حال حياة الزوجين ، وإما أن يكون بعد موت أحدهما بين الحي منهما ، وورثة الميت ، وإما أن يكون بعد موتهما بين ورثتهما ، فإن كان [ ص: 305 ] في حال حياة الزوجين .

فأما إن كان قبل الطلاق .

وأما إن كان بعده ، فإن كان قبل الطلاق ، فإن كان الاختلاف في أصل التسمية يجب مهر المثل ; لأن الواجب الأصلي في باب النكاح هو مهر المثل ; لأنه قيمة البضع ، وقيمة الشيء مثله من كل وجه ، فكان هو العدل ، وإنما التسمية تقدير لمهر المثل .

فإذا لم تثبت التسمية لوقوع الاختلاف فيها ، وجب المصير إلى الموجب الأصلي ، وإن كان الاختلاف في قدر المسمى أو جنسه أو نوعه أو صفته ، فالمهر لا يخلو إما أن يكون دينا ، وإما أن يكون عينا ، فإن كان دينا ، فإما أن يكون من الأثمان المطلقة ، وهي الدراهم ، والدنانير .

وأما إن كان من المكيلات ، والموزونات ، والمذروعات الموصوفة في الذمة ، فإن كان من الأثمان المطلقة ، فاختلفا في قدره بأن قال الزوج : تزوجتك على ألف درهم .

وقالت المرأة : تزوجتني على ألفين أو قال الزوج : تزوجتك على مائة دينار .

وقالت المرأة : على مائتي دينار تحالفا ، ويبدأ بيمين الزوج ، فإن نكل أعطاها ألفين ، وإن حلف تحلف المرأة ، فإن نكلت أخذت ألفا ، وإن حلفت يحكم لها بمهر المثل إن كان مهر مثلها مثل ما قالت أو أكثر ، فلها ما قالت وإن كان مهر مثلها مثل ما قال الزوج أو أقل ، فلها ما قال ، وإن كان مهر مثلها أقل مما قالت أو أكثر مما قال ، فلها مهر مثلها ، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد .

وقال أبو يوسف : لا يتحالفان ، والقول قول الزوج في هذا كله إلا أن يأتي بمستنكر جدا ، والحاصل أن أبا حنيفة ، ومحمدا يحكمان مهر المثل ، وينهيان الأمر إليه ، وأبو يوسف لا يحكمه بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر ، وقد اختلف في تفسير المستنكر قيل : هو أن يدعي أنه تزوجها على أقل من عشرة دراهم ، وهذا التفسير يروى عن أبي يوسف - رحمه الله - ; لأن هذا القدر مستنكر شرعا إذ لا مهر في الشرع أقل من عشرة ، وقيل هو أن يدعي أنه تزوجها على ما لا يزوج مثلها به عادة ، وهذا يحكى عن أبي الحسن ; لأن ذلك مستنكر عرفا ، وهو الصحيح من التفسير ; لأنهما اختلفا في مقدار المهر المسمى ، وذلك اتفاق منهما على أصل المهر المسمى ، وما دون العشرة لم يعرف مهرا في الشرع بلا خلاف بين أصحابنا ، وقد روي عن أبي يوسف في المتبايعين إذا اختلفا في مقدار الثمن ، والسلعة هالكة أن القول قول المشتري ما لم يأت بشيء مستنكر .

وجه قول أبي يوسف أن القول قول المنكر في الشرع ، والمنكر هو الزوج ; لأن المرأة تدعي عليه زيادة مهر ، وهو ينكر ذلك ، فكان القول قوله مع يمينه كما في سائر المواضع ، والدليل عليه أن المتعاقدين في باب الإجارة إذا اختلفا في مقدار المسمى لا يحكم بأجر المثل بل يكون القول قول المستأجر مع يمينه لما قلنا كذا هذا ، ولهما أن القول في الشرع والعقل قول من يشهد له الظاهر ، والظاهر يشهد لمن يوافق قوله مهر المثل ; لأن الناس في العادات الجارية يقدرون المسمى بمهر المثل ، ويبنونه عليه لا برضا الزوج بالزيادة عليه ، والمرأة ، وأولياؤها لا يرضون بالنقصان عنه ، فكانت التسمية تقديرا لمهر المثل ، وبناء عليه ، فكان الظاهر شاهدا لمن يشهد له مهر المثل ، فيحكم مهر المثل ، فإن كان ألفين ، فلها ذلك ; لأن الظاهر شاهد لها ، وإن كان أكثر من ألفين لا يزاد عليه ; لأنها رضيت بالنقصان ، وإن كان مهر مثلها ألفا ، فلها ألف ; لأن الظاهر شاهد للزوج ، وإن كان أقل من ذلك لا ينقص عن ألف ; لأن الزوج رضي بالزيادة ، وإن كان مهر مثلها أكثر مما قال ، وأقل مما قالت ، فلها مهر المثل ; لأنه هو الواجب الأصلي ، وإنما التسمية تقدير له لما قلنا ، فلا يعدل عنه إلا عند ثبوت التسمية وصحتها ، فإذا لم يثبت لوقوع الاختلاف ; وجب الرجوع إلى الموجب الأصلي ، وتحكيمه ، وإنما يتحالفان ; لأن كل واحد منهما مدع من وجه ، ومنكر من وجه أما الزوج ; فلأن المرأة تدعي عليه زيادة ألف ، وهو منكر .

وأما المرأة ; فلأن الزوج يدعي عليها تسليم النفس عند تسليم الألف إليها ، وهي تنكر ، فكان كل واحد منهما مدعيا من وجه ، ومنكرا من وجه ، فيتحالفان لقوله صلى الله عليه وسلم { واليمين على من أنكر } ، ويبدأ بيمين الزوج ; لأنه أشد إنكارا أو أسبق إنكارا من المرأة ; لأنه منكر قبل تسليم النفس ، وبعده ، ولا إنكار من المرأة بعد تسليم النفس ، وقبل التسليم هو أسبق إنكارا ; لأن المرأة تقبض المهر أولا ، ثم تسلم نفسها ، فتطالبه بأداء المهر إليها ، وهو ينكر ، فكان هو أسبق إنكارا ، فكانت البداية بالتحليف منه أولى لما قلنا في اختلاف المتبايعين ذكر الكرخي التحالف في هذه الفصول الثلاثة ، وأنكر الجصاص التحالف إلا في فصل واحد ، وهو ما إذا لم يشهد مهر المثل لدعواهما بأن كان مهر مثلها أكثر مما قال الزوج ، وأقل مما قالت المرأة .

وكذا في الجامع الصغير [ ص: 306 ] لم يذكر التحالف إلا في هذا الفصل .

وجهه أن الحاجة إلى التحالف فيما لا شهادة للظاهر ، فإذا كان مهر المثل مثل ما يدعيه أحدهما كان الظاهر شاهدا له ، فلا حاجة إلى التحالف ، والظاهر لا يشهد لأحدهما في الثالث ، فتقع الحاجة إلى التحالف .

وجه ما ذكره الكرخي أن مهر المثل لا يثبت إلا بعد سقوط اعتبار التسمية ، والتسمية لا يسقط اعتبارها إلا بالتحالف ; لأن الظاهر لا يكون حجة على الغير ، فتقع الحاجة إلى التحالف ، ثم إذا وجب التحالف ، وبدئ بيمين الزوج ، فإن نكل يقضى عليه بألفين ; لأن النكول حجة يقضى بها في باب الأموال بلا خلاف بين أصحابنا ، ولا خيار للزوج ، وهو أن يعطيها مكان الدراهم دنانير ; لأن تسمية الألفين قد تثبت بالنكول ; لأنه بمنزلة الإقرار ، ومن شأن المسمى أن لا يكون للزوج العدول عنه إلى غيره إلا برضا المرأة ، وإن حلف تحلف المرأة ، فإن نكلت لم يقض على الزوج إلا بالألف ، ولا خيار له لما قلنا في نكول الزوج ، وإن حلفت يحكم مهر المثل ، فإن كان مهر مثلها ألفا قضي لها على الزوج بألف ، ولا خيار له ; لأن تسمية الألف قد تثبت بتصادقهما ، فيمنع الخيار ، وإن كان مهر مثلها ألفين قضي لها بألفين ، وله الخيار في أخذ الألفين دون الآخر لثبوت تسمية أحد الألفين بتصادقهما دون الآخر ، وإن كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة قضي لها بألف وخمسمائة ، ولا خيار له في قدر الألف بتصادقهما ، وله الخيار في قدر الخمسمائة ; لأنه لم تثبت تسمية هذا القدر ، فكان سبيلها سبيل مهر المثل ، فكان له الخيار فيها ، ولا يفسخ العقد بعد التحالف في قول عامة العلماء .

وقال ابن أبي ليلى : يفسخ كما في البيع ; لأن كل واحد منهما عقد لا يجوز بغير بدل ، ولنا الفرق بين البيع والنكاح ، وهو أنه لما سقط اعتبار التسمية في باب البيع يبقى البيع بلا ثمن ، والبيع بلا ثمن بيع فاسد ، واجب الرفع رفعا للفساد ، وذلك بالفسخ بخلاف النكاح ، فإن ترك التسمية أصلا في النكاح لا يوجب فساده ، فسقوط اعتباره بجهالة المسمى بالتعارض أولى ، فلا حاجة إلى الفسخ ، فهو الفرق ، هذا إذا لم يقم لأحدهما بينة .

فأما إذا قامت لأحدهما بينة ، فإنه يقضى ببينته ; لأنها قامت على أمر جائز الوجود ، ولا معارض لها ، فتقبل ، ولا يحكم مهر المثل ; لأن تحكيمه ضروري ، ولا ضرورة عند قيام البينة ، ولا خيار للزوج ; لأن التسمية تثبت بالبينة ، وأنها تمنع الخيار ، وإن أقاما جميعا البينة ، فإن كان مهر مثلها ألف درهم يقضى ببينتها ; لأنها تظهر زيادة ألف ، فكانت مظهرة ، وبينة الزوج لم تظهر شيئا ; لأنها قامت على ألف ، والألف كان ظاهرا بتصادقهما ، أو نقول بينة المرأة أكثر إظهارا ، فكان القضاء بها أولى ، ولا خيار للزوج في الألفين ; لأن تسمية أحد الألفين تثبت بتصادقهما ، وتسمية الآخر تثبت بالبينة ، والتسمية تمنع الخيار ، وإن كان مهر مثلها ألفين ، فقد اختلف المشايخ فيه قال : بعضهم يقضى ببينتها أيضا ; لأنها تظهر زيادة ألف لم تكن ظاهرة بتصادقهما ، وإن كانت ظاهرة بشهادة مهر المثل لكن هذا الظاهر لا يكون حجة على الغير ألا ترى أنه لا يقضى به بدون اليمين أو البينة ، وتصادقهما حجة بنفسه ، فكانت بينتها هي المظهرة أو كانت أكثر إظهارا ، وبينة الزوج ليست بمظهرة ; لأن الألف كان ظاهرا بتصادقهما أو هي أقل إظهارا ، فكان القضاء ببينتها أولى .

وقال بعضهم : يقضى ببينة الزوج ; لأن بينة الزوج تظهر حط الألف عن مهر المثل ، وذلك ألفان لثبوت الألفين بشهادة مهر المثل ، فيظهر حط عن مهر المثل بشهادته ، وبينتها لا تظهر شيئا ; لأن أحد الألفين كان ظاهرا بتصادقهما ، والآخر كان ظاهرا بشهادة مهر المثل أو يظهر صفة التعيين للألفين ; لأن الثابت بشهادة مهر المثل أو يظهر صفة التعيين لهما ، وبينته مظهرة للأصل ، فكان القضاء ببينته أولى ، وإن كان مهر مثلها ألفا ، وخمسمائة بطلت البينتان للتعارض ; لأن مهر المثل لا يشهد لأحدهما ، فكانت كل واحدة منهما مظهرة ، وليس القضاء بإحداهما أولى من الأخرى فبطلت ، فبقي الحكم بمهر المثل ، ولا خيار له في قدر الألف ; لأن البينتين التحقتا بالعدم للتعارض ، فبقي هذا القدر مسمى بتصادقهما ، وله خيار في قدر الخمسمائة لثبوته على وجه مهر المثل ، وكذلك إن كان دينا موصوفا في الذمة بأن تزوجها على مكيل موصوف ، أو موزون موصوف ، أو مذروع موصوف ، فاختلفا في قدر الكيل أو الوزن أو الذرع ، فالاختلاف فيه كالاختلاف في قدر الدراهم ، والدنانير ، ولهذا يتحالفان ، ويحكم مهر المثل في قول أبي حنيفة ، ومحمد ; لأن القدر في المكيل والموزون معقود عليه .

وكذا في المذروع إذا كان في الذمة ، وإن لم يكن معقودا عليه بل كان جاريا مجرى الصفة إذا كان عينا ; لأن ما في الذمة غائب مذكور يختلف أصله باختلاف [ ص: 307 ] وصفه ، فجرى الوصف فيما في الذمة مجرى الأصل ، ولهذا كان الاختلاف في صفة المسلم فيه موجبا للتحالف ، فكان اختلافهما في الوصف بمنزلة اختلافهما في الأصل ، وذلك يوجب التحالف كذا هذا ، وعند أبي يوسف لا يتحالفان ، والقول قول الزوج مع يمينه ، وإن كان الاختلاف في جنس المسمى بأن قال الزوج : تزوجتك على عبد ، فقالت : على جارية أو قال الزوج : تزوجتك على كر شعير ، فقالت : على كر حنطة أو على ثياب هروية أو قال : على ألف درهم .

وقالت : على مائة دينار ، أو في نوعه كالتركي مع الرومي ، والدنانير المصرية مع الصورية أو في صفته من الجودة ، والرداءة ، فالاختلاف فيه كالاختلاف في العينين إلا الدراهم ، والدنانير ، فإن الاختلاف فيهما كالاختلاف في الألف ، والألفين ، وإنما كان كذلك ; لأن كل واحد من الجنسين ، والنوعين ، والموصوفين لا يملك إلا بالتراضي بخلاف الدراهم ، والدنانير ، فإنهما ، وإن كانا جنسين مختلفين لكنهما في باب مهر المثل يقضى من جنس الدراهم ، والدنانير ، فجاز أن يستحق المائة دينار من غير تراض بخلاف العبد ; لأن مهر المثل لا يقضى من جنسه ، فلم يجز أن يملك من غير تراض ، فيقضى بقدر قيمته هذا إذا كان المهر دينا فأما إذا كان عينا .

فإن اختلفا في قدره فإن كان مما يتعلق العقد بقدره بأن تزوجها على طعام بعينه ، فاختلفا في قدره ، فقال الزوج : تزوجتك على هذا الطعام بشرط أنه كر وقالت المرأة : تزوجتني عليه بشرط أنه كران ، فهي مثل الاختلاف في الألف ، والألفين ، وإن كان مما لا يتعلق العقد بقدره بأن تزوجها على ثوب بعينه كل ذراع منه يساوي عشرة دراهم فاختلفا ، فقال الزوج : تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه ثمانية أذرع ، فقالت : بشرط أنه عشرة أذرع لا يتحالفان ، ولا يحكم مهر المثل ، والقول قول الزوج بالإجماع ، ووجه الفرق بين الطعام ، والثوب أن القدر في باب الطعام معقود عليه حقيقة وشرعا أما الحقيقة ; فلأن المعقود عليه عين ، وذات حقيقة .

وأما الشرع ، فإنه إذا اشترى طعاما على أنه عشرة أقفزة ، فوجده أحد عشر لا يطيب له الفضل ، والاختلاف في المعقود عليه يوجب التحالف .

فأما القدر في باب الثوب ، وإن كان من أجزاء الثوب حقيقة لكنه جار مجرى الوصف ، وهو صفة الجودة شرعا ; لأنه يوجب صفة الجودة لغيره من الأجزاء ألا ترى أن من اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع ، فوجده أحد عشر طاب له الفضل ، والاختلاف في صفة المعقود عليه إذا كان عينا لا يوجب التحالف كما إذا اختلفا في صفة الجودة في العين ، والأصل أن ما يوجب فوات بعضه نقصانا في البقية ، فهو جار مجرى الصفة ، وما لا يوجب فوات بعضه نقصانا في الباقي لا يكون جاريا مجرى الصفة ، وإن اختلفا في جنسه ، وعينه كالعبد والجارية بأن قال الزوج : تزوجتك على هذا العبد .

وقالت المرأة على هذه الجارية ، فهو مثل الاختلاف في الألف ، والألفين إلا في فصل واحد ، وهو ما إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر ، فلها قيمة الجارية لا عينها ; لأن تمليك الجارية لا يكون إلا بالتراضي ، ولم يتفقا على تمليكها ، فلم يوجد الرضا من صاحب الجارية بتمليكها ، فتعذر التسليم ، فيقضى بقيمتها بخلاف ما إذا اختلفا في الدراهم أو الدنانير ، فقال الزوج : تزوجتك على ألف درهم .

وقالت المرأة على مائة دينار أن الاختلاف فيه كالاختلاف في الألف ، والألفين على معنى أن مهر مثلها إن كان مثل مائة دينار أو أكثر ، فلها المائة دينار لما مر أن مهر المثل يقضى من جنس الدراهم ، والدنانير ، فلا يشترط فيه التراضي بخلاف العبد ، فإن مهر المثل لا يقضى من جنسه ، فلا يجوز أن يملك من غير مراضاة ، ولا يكون لها أكثر من قيمتها ، وإن كان مهر مثلها أكثر من قيمتها ; لأنها رضيت بهذا القدر ، وما كان القول فيه أي من العين قول الزوج ، فهلك ، فاختلفا في قدر قيمته ، فالقول فيه قول الزوج أيضا ; لأن المسمى مجمع عليه ، فكانت القيمة دينا عليه ، والاختلاف إذا وقع في قدر الدين ، فالقول قول المديون كما في سائر الديون هذا كله إذا اختلفا قبل الطلاق .

ولو اختلفا بعد الطلاق ، فإن كان بعد الدخول أو قبل الدخول بعد الخلوة ، فالجواب في الفصول كلها كالجواب فيما لو اختلفا حال قيام النكاح ; لأن الطلاق بعد الدخول أو قبل الدخول بعد الخلوة مما لا يوجب سقوط مهر المثل ، وإن كان قبل الدخول بها ، وقبل الخلوة ، فإن كان المهر دينا ، فاختلفا في الألف ، والألفين ، فالقول قول الزوج ، ويتنصف ما يقول الزوج كذا ذكر في كتاب النكاح والطلاق ، ولم يذكر الاختلاف كذا ذكر الطحاوي أنه يتنصف ما يقول الزوج ، ولم يذكر الخلاف .

وذكر الكرخي ، وحكى الإجماع ، فقال : [ ص: 308 ] لها نصف الألف في قولهم .

وذكر محمد في الجامع الصغير .

وقال : ينبغي أن يكون القول قول المرأة إلى متعة مثلها ، والقول قول الزوج في الزيادة على قياس قول أبي حنيفة ، ووجهه أن المسمى لم يثبت لوقوع الاختلاف فيه ، والطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه يوجب المتعة ، ويحكم متعة مثلها ; لأن المرأة ترضى بذلك ، والزوج لا يرضى بالزيادة ، فكان القول قوله في الزيادة ، والصحيح هو الأول ; لأنه لا سبيل إلى تحكيم مهر المثل ههنا ; لأن مهر المثل لا يثبت في الطلاق قبل الدخول ، فتعذر تحكيمه ، فوجب إثبات المتيقن ، وهو نصف الألف ، ومتعة مثلها لا تبلغ ذلك عادة ، فلا معنى لتحكيم المتعة على إقرار الزوج بالزيادة ، وقيل لا خلاف بين الروايتين في الحقيقة ، وإنما اختلف الجواب لاختلاف وضع المسألة ، فوضع المسألة في كتاب النكاح في الألف ، والألفين ، ولا وجه لتحكيم المتعة ; لأن الزوج أقر لها بخمسمائة ، وهي تزيد على متعة مثلها عادة ، فقد أقر الزوج لها بمتعة مثلها ، وزيادة ، فكان لها ذلك ، ووضعها في الجامع الكبير في العشرة والمائة بأن قال الزوج : تزوجتك على عشرة دراهم .

وقالت المرأة : تزوجتني على مائة درهم ، ومتعة مثلها عشرون ، ففي هذه الصورة يكون الزوج مقرا لها بخمسة دراهم ، وذلك أقل من متعة مثلها عادة ، فكان لها متعة مثلها ، وإن كان المهر عينا كما في مسألة العبد ، والجارية ، فلها المتعة إلا أن يرضى الزوج أن يأخذ نصف الجارية بخلاف ما إذا اختلفا في الألف ، والألفين ; لأن نصف الألف هناك ثابتة بيقين لاتفاقهما على تسمية الألف ، فكان القضاء بنصفها حكما بالمتيقن ، والملك في نصف الجارية ليس بثابت بيقين ; لأنهما لم يتفقا على تسمية أحدهما ، فلم يمكن القضاء بنصف الجارية إلا باختيارهما ، فإذا لم يوجد سقط البدلان ، فوجب الرجوع إلى المتعة هذا إذا كان الاختلاف في حياة الزوجين ، فإن كان في حياة أحدهما بعد موت الآخر بينه وبين ورثة الميت ، فكذلك الجواب أن القول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها إن كانت حية ، وقول ورثتها إن كانت ميتة ، والقول قول الزوج ، وورثته في الزيادة عندهما ، وعند أبي يوسف القول قول ، ورثة الزوج إلا أن يأتوا بشيء مستنكر ، وإن كان الاختلاف بين ورثة الزوجين ، فإن اختلفوا في أصل التسمية ، وكونها ، فقد قال أبو حنيفة لا أقضي بشيء حتى تقوم البينة على أصل التسمية ، وعندهما يقضى بمهر المثل كما في حال الحياة .

وجه قولهما أن التسمية إذا لم تثبت لاختلافهما ، وجب مهر المثل بالعقد ، فيبقى بعد موتهما كالمسمى ، وصار كأنه تزوجها ، ولم يسم لها مهرا ، ثم ماتا ، وجواب أبي حنيفة هناك أنه لا يقضى بشيء حتى تقوم البينة على التسمية أما قولهما أن مهر المثل يجب بالعقد عند عدم التسمية ، فالجواب عنه من وجهين : أحدهما : أنه وجب لكنه لم يبق إذ المهر لا يبقى بعد موت الزوجين عادة ، وهذا قول أبي حنيفة في المسألة بل الظاهر هو الاستيفاء والإبراء هذا هو العادة بين الناس ، فلا يثبت البقاء إلا بالبينة ، والثاني : لئن سلمنا أنه بقي لكنه تعذر القضاء به ; لأن موضوع المسألة عند التقادم ، وعند التقادم لا يدرى ما حالها ، ومهر المثل يقدر بحالها ، فيتعذر التقدير على أن اعتبار مهرها بمهر مثل نساء عشيرتها ، فإذا ماتا ، فالظاهر موت نساء عشيرتها ، فلا يمكن التقدير ( وجه ) قول أبي حنيفة في هذه المسألة مشكل ، ولو اختلفت الورثة في قدر المهر ، فالقول قول ورثة الزوج عند أبي حنيفة .

وعند أبي يوسف القول قول ، ورثة الزوج إلا أن يأتوا بشيء مستنكر جدا ، وعند محمد القول قول ، ورثة المرأة إلى قدر مهر مثلها كما في حال الحياة ولو بعث الزوج إلى امرأته شيئا ، فاختلفا ، فقالت المرأة : هو هدية .

وقال الزوج : هو من المهر ، فالقول قول الزوج إلا في الطعام الذي يؤكل ; لأن الزوج هو المملك ، فكان أعرف بجهة تمليكه ، فكان القول قوله إلا فيما يكذبه الظاهر ، وهو الطعام الذي يؤكل ; لأنه لا يبعث مهرا عادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية