بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

ومما يتصل بهذا اختلاف الزوجين في متاع البيت ، ولا بينة لأحدهما .

وجملة الكلام فيه أن الاختلاف في متاع البيت إما أن يكون بين الزوجين في حال حياتهما ، وإما أن يكون بين ورثتهما بعد وفاتهما ، وإما أن يكون في حال حياة أحدهما ، وموت الآخر ، فإن كان في حال حياتهما ، فإما أن يكون في حال قيام النكاح ، وإما أن يكون بعد زواله بالطلاق ، فإن كان في حال قيام النكاح ، فما كان يصلح للرجال كالعمامة ، والقلنسوة ، والسلاح وغيرها ، فالقول فيه قول الزوج ; لأن الظاهر شاهد له ، وما يصلح للنساء مثل الخمار والملحفة والمغزل ونحوها ، فالقول فيه قول الزوجة ; لأن الظاهر شاهد لها [ ص: 309 ] وما يصلح لهما جميعا كالدراهم ، والدنانير ، والعروض والبسط والحبوب ونحوها فالقول فيه قول الزوج .

وهذا قول أبي حنيفة ، ومحمد .

وقال أبو يوسف : القول قول المرأة إلى قدر جهاز مثلها في الكل ، والقول قول الزوج في الباقي .

وقال زفر : في قول المشكل بينهما نصفان ، وفي قول آخر ، وهو قول مالك ، والشافعي الكل بينهما نصفان .

وقال : ابن أبي ليلى القول قول الزوج في الكل إلا في ثياب بدن المرأة .

وقال الحسن : القول قول المرأة في الكل إلا في ثياب بدن الرجل ( وجه ) قول الحسن أن يد المرأة على ما في داخل البيت أظهر منه في يد الرجل ، فكان الظاهر لها شاهدا إلا في ثياب بدن الرجل ; لأن الظاهر يكذبها في ذلك ، ويصدق الزوج ( وجه ) قول ابن أبي ليلى أن الزوج أخص بالتصرف فيما في البيت ، فكان الظاهر شاهدا له إلا في ثياب بدنها ، فإن الظاهر يصدقها فيه ، ويكذب الرجل ( وجه ) قول زفر أن يد كل واحد من الزوجين إذا كانا حرين ثابتة على ما في البيت ، فكان الكل بينهما نصفين ، وهو قياس قوله إلا أنه خص المشكل بذلك في قول ; لأن الظاهر يشهد لأحدهما في المشكل ( وجه ) قول أبي يوسف أن الظاهر يشهد للمرأة إلى قدر جهاز مثلها ; لأن المرأة لا تخلو عن الجهاز عادة ، فكان الظاهر شاهدا لها في ذلك القدر ، فكان القول في هذا القدر قولها ، والظاهر يشهد للرجل في الباقي ، فكان القول قوله في الباقي ( وجه ) قولهما أن يد الزوج على ما في البيت أقوى من يد المرأة ; لأن يده يد متصرفة ، ويدها يد حافظة ، ويد التصرف أقوى من يد الحفظ كاثنين يتنازعان في دابة ، وأحدهما راكبها ، والآخر متعلق بلجامها أن الراكب أولى إلا أن فيما يصلح لها عارض هذا الظاهر ما هو أظهر منه ، فسقط اعتباره ، وإن اختلفا بعد ما طلقها ثلاثا أو بائنا ، فالقول قول الزوج ; لأنها صارت أجنبية بالطلاق ، فزالت يدها ، والتحقت بسائر الأجانب هذا إذا اختلف الزوجان قبل الطلاق أو بعده ( فأما ) إذا ماتا ، فاختلف ، ورثتهما ، فالقول قول ورثة الزوج في قول أبي حنيفة ، ومحمد ، وعند أبي يوسف القول قول ورثة المرأة إلى قدر جهاز مثلها ، وقول ورثة الزوج في الباقي ; لأن الوارث يقوم مقام المورث ، فصار كأن المورثين اختلفا بأنفسهما ، وهما حيان ، وإن مات أحدهما ، واختلف الحي وورثة الميت ، فإن كان الميت هو المرأة ، فالقول قول الزوج عند أبي حنيفة ومحمد ; لأنها لو كانت حية لكان القول قوله ، فبعد الموت أولى .

وعند أبي يوسف القول قول ، ورثتها إلى قدر جهاز مثلها ، وإن كان الميت هو الزوج ، فالقول قولها عند أبي حنيفة في المشكل ، وعند أبي يوسف في قدر جهاز مثلها ، وعند محمد القول قول ، ورثة الزوج ( وجه ) قولهما ظاهر ; لأن الوارث قائم مقام المورث ، ولأبي حنيفة أن المتاع كان في يدهما في حياتهما ; لأن الحرة من أهل الملك واليد ، فينبغي أن يكون بينهما نصفين كما قال زفر ; لأن يد الزوج كانت أقوى ، فسقطت يدها بيد الزوج ، فإذا مات الزوج ، فقد زال المانع ، فظهرت يدها على المتاع .

ولو طلقها في مرضه ثلاثا أو بائنا ، فمات ، ثم اختلفت هي ، وورثة الزوج ، فإن مات بعد انقضاء العدة ، فالقول قول ورثة الزوج ; لأن القول قول الزوج في المشكل بعد الطلاق ، فكان القول قول ورثته بعده أيضا ، وإن مات قبل انقضاء العدة ، فالقول قولها عند أبي حنيفة في المشكل .

وعند أبي يوسف في قدر جهاز مثلها ، وعند محمد القول قول ورثة الزوج ; لأن العدة إذا كانت قائمة كان النكاح قائما من وجه ، فصار كما لو مات الزوج قبل الطلاق ، وبقيت المرأة ، وهناك القول قولها عند أبي حنيفة في المشكل وعند أبي يوسف في قدر جهاز مثلها ، وعند محمد القول قول ورثة الزوج كذا ههنا هذا كله إذا كان الزوجان حرين أو مملوكين أو مكاتبين .

فأما إذا كان أحدهما حرا ، والآخر مملوكا أو مكاتبا ، فعند أبي حنيفة القول قول الحر ، وعندهما إن كان المملوك محجورا ، فكذلك .

وأما إذا كان مأذونا أو مكاتبا ، فالجواب فيه ، وفيما إذا كانا حرين سواء ( وجه ) قولهما أن المكاتب في ملك اليد بمنزلة الحر بل هو حر يدا ، ولهذا كان أحق بمكاسبه .

وكذا المأذون المديون ، فصار كما لو اختلفا ، وهما حران ، ولأبي حنيفة أن كل واحد منهما مملوك أما المأذون ، فلا شك فيه .

وكذا المكاتب ; لأنه عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم والعبد اسم للمملوك ، والمملوك لا يكون من أهل الملك ، فلا تصلح يده دليلا على الملك ، فلا تصلح معارضة ليد الحر ، فبقيت يده دليل الملك من غير معارض بخلاف الحرين .

ولو كان الزوج حرا ، والمرأة أمة أو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد ، فأعتقت ، ثم اختلفا في متاع البيت ، فما أحدثا من الملك قبل العتق ، فهو [ ص: 310 ] للزوج ; لأنه حدث في وقت لم تكن المرأة فيه من أهل الملك ، وما أحدثا من الملك بعد العتق ، فالجواب فيه ، وفي الحرين سواء .

ولو كان الزوج مسلما ، والمرأة ذمية ، فالجواب فيه كالجواب في الزوجين المسلمين ; لأن الكفر لا ينافي أهلية الملك بخلاف الرق .

وكذا لو كان البيت ملكا لأحدهما لا يختلف الجواب ; لأن العبرة لليد لا للملك هذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه لي زوجي ، فإن أقرت بذلك سقط قولها ; لأنها أقرت بذلك لزوجها ، ثم ادعت الانتقال ، فلا يثبت الانتقال إلا بدليل ، وقد مرت المسألة .

التالي السابق


الخدمات العلمية