بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
[ ص: 336 ] فصل ) :

وأما بيان ما يرفع حكم النكاح ، فبيانه بيان ما تقع به الفرقة بين الزوجين ، ولوقوع الفرقة بين الزوجين أسباب لكن الواقع ببعضها فرقة بطلاق ، وبعضها فرقة بغير طلاق ، وفي بعضها يقع فرقة بغير قضاء القاضي ، وفي بعضها لا يقع إلا بقضاء القاضي ، فنذكر جملة ذلك بتوفيق الله عز وجل منها .

الطلاق بصريحه ، وكناياته ، وله كتاب مفرد ، ومنها اللعان ولا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي عند أصحابنا .

وكذا في كيفية هذه الفرقة خلاف بين أصحابنا نذكره إن شاء الله تعالى في كتاب اللعان ، ومنها اختيار الصغير أو الصغيرة بعد البلوغ في خيار البلوغ ، وهذه الفرقة لا تقع إلا بتفريق القاضي بخلاف الفرقة باختيار المرأة نفسها في خيار العتق أنها تثبت بنفس الاختيار ، وقد بينا وجه الفرق فيما تقدم ، والفرقة في الخيارين جميعا تكون فرقة بغير طلاق ، بل تكون فسخا حتى لو كان الزوج لم يدخل بها ، فلا مهر لها أما في خيار العتق ، فلا شك فيه ; لأن الفرقة وقعت بسبب وجد منها ، وهو اختيارها نفسها ، واختيارها نفسها لا يجوز أن يكون طلاقا ; لأنها لا تملك الطلاق إلا إذا ملكت كالمخيرة ، فكان فسخا ، وفسخ العقد رفعه من الأصل ، وجعله كأن لم يكن .

ولو لم يكن حقيقة لم يكن لها مهر ، فكذا إذا التحق بالعدم من الأصل .

وكذا في خيار البلوغ إذا كان من له الخيار هو المرأة ، فاختارت نفسها قبل الدخول بها لما قلنا .

وأما إذا كان من له الخيار هو الغلام ، فاختار نفسه قبل الدخول بها ، فلا مهر لها أيضا ، وهذا فيه نوع إشكال ; لأن الفرقة جاءت من قبل الزوج ، فيجب أن تكون فرقة بطلاق ، ويتعلق بها نصف المهر والانفصال أن الشرع أثبت له الخيار ، فلا بد أن يكون مفيدا .

ولو كان ذلك طلاقا ، ووجب عليه المهر لم يكن لإثبات الخيار معنى ; لأنه يملك الطلاق ، فإذا لا فائدة في الخيار إلا سقوط المهر .

وإن كان قد دخل بها لا يسقط المهر ; لأن المهر قد تأكد بالدخول ، فلا يحتمل السقوط بالفرقة ، كما لا يحتمل السقوط بالموت ; ولأن الدخول استيفاء منافع البضع ، وأنه أمر خفي ، فلا يحتمل الارتفاع من الأصل بالفسخ بخلاف العقد ، فإنه أمر شرعي ، فكان محتملا للفسخ ، ولأنه لو فسخ النكاح بعد الدخول لوجب عليه رد المنافع المستوفاة ; لأنه عاد البدل إليه ، فوجب أن يعود المبدل إليها ، وهو لا يقدر على ردها ، فلا يفسخ ، وإذا لم يقدر على ردها يغرم قيمتها ، وقيمتها هو المهر المسمى ، فلا يفيد ; ولأنه لما استوفى المنافع ، فقد استوفى المعقود عليه ، وهو المبدل ، فلا يسقط البدل .

التالي السابق


الخدمات العلمية