بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو نفى الولد يلاعن ; لأنه يثبت نسب الولد بالنكاح لا بشهادة القابلة ، وإنما الثابت بشهادتها الولادة وتعين أي الذي ولدته هذا لجواز أنها ولدت ميتا أو حيا ثم مات فإذا نفى الولد فقد صار قاذفا لأمه بالزنا ، وقذف الزوجة بالزنا يوجب اللعان .

وكذلك إذا قال لأمته : إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت امرأة على الولادة تصير الجارية أم ولد ; لأن النسب يثبت بفراش الملك عند الدعوة .

وقوله : إن كان في بطنك ولد فهو مني دعوى النسب والحاجة بعد ذلك إلى الولادة وتعين الولد ، وذلك يثبت بشهادة القابلة وإذا ثبت النسب صارت الجارية أم ولد له ضرورة ; لأن أمية الولد من ضرورات ثبوت النسب .

ولو قال لامرأته : إذا ولدت فأنت طالق ، فقالت : ولدت ، وأنكر الزوج الولادة فشهدت قابلة على الولادة يثبت النسب بالإجماع

وإن لم يكن الزوج أقر بالحبل ولا كان الحبل ظاهرا فهل يقع الطلاق ؟ قال أبو حنيفة : لا يقع ما لم يشهد على الولادة رجلان أو رجل وامرأتان .

وقال أبو يوسف ومحمد : يقع بشهادة القابلة إذا كانت عدلا .

( وجه ) قولهما أن الولادة قد تثبت بشهادة القابلة بالإجماع ولهذا ثبت النسب ومن ضرورة ثبوت الولادة وقوع الطلاق ; لأنه معلق بها ولأبي حنيفة أن شهادة القابلة حجة ضرورية ; لأنها شهادة فرد ثم هو أنثى فيظهر فيما فيه الضرورة ، وفيما هو من ضرورات تلك الضرورة ، والضرورة في الولادة ، فيظهر فيها ، فتثبت الولادة ، ووقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة لتصور الولادة بدون الطلاق في الجملة فلا ضرورة إلى إثبات الولادة في حق وقوع الطلاق فلا يثبت في حقه .

والنسب ما ثبت بالشهادة وإنما يثبت بالفراش لقيام النكاح ، وإنما الثابت بالشهادة الولادة ، وتعين الولد ووقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة ولا من ضرورات ثبوت النسب أيضا ، فلم يكن من ضرورة الولادة وثبوت النسب وقوع الطلاق ، وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا يقع الطلاق بمجرد قولها وإن لم تشهد القابلة في قول أبي حنيفة .

وعندهما لا يقع إلا بشهادة القابلة .

ولا خلاف في أن النسب لا يثبت بدون شهادة القابلة ( وجه ) قولهما أن المرأة تدعي وقوع الطلاق والأصل أن المدعي لا يعطي شيئا بمجرد الدعوى ; لأن دعوى المدعي عارضها إنكار المنكر وقد قال صلى الله عليه وسلم " لو أعطي الناس بدعواهم " الحديث إلا فيما لا يوقف عليه من جهة غيره فيجعل القول فيه قوله للضرورة ، كما في الحيض .

والولادة أمر يمكن الوقوف عليه من جهة غيرها فلا يقبل قولها فيه .

ولهذا لم يثبت النسب بقولها بدون شهادة القابلة .

كذا وقوع الطلاق ; لأنها تدعي وهو ينكر .

والقول قول المنكر حتى يقيم للمدعي حجته .

وجه قول أبي حنيفة أنه قد ثبت الحبل وهو كون الولد في البطن بإقرار الزوج بالحبل أو يكون الحبل ظاهرا وأنه يفضي إلى الولادة لا محالة ; لأن الحمل يوضع لا محالة فكانت الولادة أمرا كائنا لا محالة فيقبل فيه قولها كما في دم الحيض حتى لو قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق ، فقالت : حضت ، يقع الطلاق .

كذا ههنا إلا أنه لم يقبل قولها في حق إثبات النسب بدون شهادة القابلة ; لأنها متهمة في تعيين الولد فلا تصدق على التعيين في حق إثبات النسب ولا تهمة في التعيين في حق وقوع الطلاق فتصدق فيه من غير شهادة القابلة ، ونظيره ما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وامرأتي الأخرى فلانة معك ، فقالت حضت ، وكذبها الزوج تطلق هي ولا تطلق ضرتها ويثبت حيضها في حقها ولا يثبت في حق ضرتها إلا بتصديق الزوج لكونها متهمة في حق ضرتها وانتفاء التهمة في حق نفسها .

كذا ههنا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية