بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو قال : إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حر أو قال : إذا قدم فلان فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حر ولا نية له عتق ما في ملكه يوم دخل الدار ; لأنه علق عتق كل عبد يكون مملوكا له يوم الدخول بالدخول ; لأن معنى قوله : يومئذ أي : يوم الدخول .

هذا هو مقتضى اللغة ; لأن تقديره يوم إذا دخل الدار ; لأنه حذف الفعل وعوض عنه بالتنوين فيعتق كل ما كان مملوكا له يوم الدخول فكأنه قال عند الدخول : كل مملوك لي فهو حر وسواء دخل الدار ليلا أو نهارا ; لأن اليوم يذكر ويراد به الوقت المطلق قال الله سبحانه وتعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } وهذا الوعد يلحق المولي دبره ليلا ونهارا ولأن غرض الحالف الامتناع من تحصيل الشرط فلا يختص بوقت دون وقت ولو قال : كل مملوك اشتريته فهو حر إن كلمت أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد ولا نية له فهذا يقع على ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام ثم تكلم عتق وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق ولو قدم الشرط فقال : إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريته فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام ثم كلم لا يعتق واحد منهم وما اشترى بعده يعتق ، ووجه الفرق أن في [ ص: 71 ] الفصل الأول جعل الكلام شرط انحلال اليمين ; لأن قوله : كل مملوك أشتريه فهو حر يمين تامة لوجود الشرط والجزاء فإذا قال : إن كلمت فلانا فقد جعل كلام فلان غاية لانحلالها فإذا كلمه انحلت فلا يدخل ما بعد الكلام كقوله كل مملوك لي حر إن دخلت الدار وفي الفصل الثاني جعل كلام فلان شرط انعقاد اليمين فإذا كلمه الآن انعقدت اليمين فيدخل فيه ما بعده لا ما قبله فيصير كأنه قال عند الكلام : كل مملوك أشتريه فهو حر ، وذلك يتناول المستقبل ولو قال : كل مملوك أشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال : إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق ما اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم ; لأنه جعل دخول الدار شرطا لانعقاد اليمين فيصير عند دخول الدار كأنه قال : كل مملوك أشتريه فهو حر ، والدليل على أنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين أن قوله : كل مملوك أشتريه شرط ، وقوله : إذا دخلت الدار شرط آخر ولا يمكن أن يجعلا شرطا واحدا لعدم حرف العطف ولا سبيل إلى إلغاء الشرط الثاني ; لأن إلغاء تصرف العاقل مع إمكان تصحيحه خارج عن العقل ولتصحيحه وجهان : أحدهما : أن يجعل الشرط الثاني مع جزائه يمينا وجزاء الشرط الأول وحينئذ لا بد من إدراج حرف الفاء ; لأن الجزاء المتعقب للشرط لا يكون بدون حرف الفاء وفيه تغيير ، والثاني : أن يجعل شرط الانعقاد وفيه تغيير أيضا بجعل المقدم من الشرطين مؤخرا إلا أن التغيير فيه أقل ; لأن فيه تبديل محل الكلام لا غير وفي الأول إثبات ما ليس بثابت فكان الثاني أقل تغييرا فكان التصحيح به أولى وتسمى هذه اليمين اليمين المعترضة لاعتراض شرط بين الشرط والجزاء ، ولو نوى الوجه الأول صحت نيته ; لأن اللفظ يحتمله ولهذا قال محمد : إلا أن يعني غير ذلك فيكون على ما عنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية