بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) ما يخرج من أبدان سائر الحيوانات من البهائم من الأبوال والأرواث على الاتفاق والاختلاف ، ( أما ) الأبوال فلا خلاف في أن بول كل ما لا يؤكل لحمه نجس ، واختلف في بول ما يؤكل لحمه قال أبو حنيفة وأبو يوسف نجس .

وقال محمد طاهر حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده ، ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه ، ( واحتج ) بما روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح للعرنيين شرب أبوال إبل الصدقة وألبانها } مع قوله صلى الله عليه وسلم { إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم } وقوله : { ليس في الرجس شفاء } فثبت أنه طاهر ( ولهما ) حديث عمار { إنما يغسل الثوب من خمس ، } وذكر من جملتها البول مطلقا من غير فصل وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } من غير فصل وقوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث } ومعلوم أن الطباع السليمة تستخبثه ، وتحريم الشيء - لا لاحترامه وكرامته - تنجيس له شرعا ; ولأن معنى النجاسة فيه موجود وهو الاستقذار الطبيعي لاستحالته إلى فساد وهي الرائحة المنتنة ، فصار كروثة وكبول ما لا يؤكل لحمه .

وأما الحديث فقد ذكر قتادة أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشرب ألبانها دون أبوالها ، } فلا يصح التعلق به ، على أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف بطريق الوحي شفاءهم فيه ، والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن لحصول الشفاء فيه ، كتناول الميتة عند المخمصة ، والخمر عند العطش ، وإساغة اللقمة وإنما لا يباح بما لا يستيقن حصول الشفاء به ، ثم عند أبي يوسف يباح شربه للتداوي لحديث [ ص: 62 ] العرنيين ، وعند أبي حنيفة لا يباح ; لأن الاستشفاء بالحرام الذي لا يتيقن حصول الشفاء به حرام ، وكذا بما لا يعقل فيه الشفاء ولا شفاء فيه عند الأطباء ، والحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم عرف شفاء أولئك فيه على الخصوص والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية