بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما النوع الثاني وهو ما يتعلق به بعد موت المولى .

فهو أن المولى إذا قال لعبديه : أحدكما حر لا ينوي أحدهما بعينه ثم مات قبل الاختيار عتق من كل واحد منهما نصفه ; لأنه وقع اليأس عن البيان والاختيار ، إذ لا يمكنه ذلك بنفسه وهذا الخيار لا يورث حتى يقوم الوارث فيه مقامه فيشيع العتق فيهما ، إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما نصفه مجانا ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ، وفصل الشيوع دليل نزول العتق في أحدهما ، إذ الثابت تشييع والموت ليس بإعتاق ، علم أن الكلام السابق وقع تنجيزا للعتق في أحدهما ثم فرق بين هذا الخيار وبين خيار التعيين في باب البيع ; لأن الوارث هناك يقوم مقام الموت في البيان ، وههنا لا .

ووجه الفرق أن هناك ملك المشتري أحد العبدين مجهولا ، إذ كل واحد منهما محل للملك ، فإذا مات فالوارث ورث منه عبدا مجهولا ، فمتى جرى الإرث ثبت ولاية التعيين ، أما ههنا فأحدهما حر أو استحق الحرية وذلك يمنع جريان الإرث في أحدهما فيمنع ولاية التعيين ، هذا إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه ، فأما إذا كان ممن لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره فقال : أحدكما حر لا يعتق عبده إلا بالنية ; لأن قوله أحدكما يحتمل كل واحد منهما ; لأن عبد الغير قابل للعتق في نفسه ومحتمل لنفوذ الإعتاق فيه في الجملة فلا ينصرف إلى عبد نفسه إلا بالنية ، وإن كان المزاحم ممن لا يحتمل العتق أصلا ، كما إذا جمع بين عبده وبين بهيمة أو حائط أو حجر فقال : أحدكما حر ، أو قال : عبدي حر ، أو هذا وهذا فإن عبده يعتق في قول أبي حنيفة نوى أو لم ينو ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يعتق إلا بالنية ، وكذا إذا جمع بين عبده وبين ميت وقد ذكرنا الكلام في هذه الجملة في كتاب الطلاق وعلى هذا إذا جمع بين عبده وبين حر فقال : أحدكما حر ، أنه لا يعتق عبده إلا بالنية ; لأن صيغته صيغة الخبر فيحمل على الإخبار وهو صادق في إخباره مع ما في الحمل عليه تصحيح تصرفه وأنه أصل عند الإمكان فيحمل عليه ، إلا إذا نوى فيحمل على الإنشاء بقرينة النية ، والحر لا يحتمل إنشاء الحرية فينصرف إلى العبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية