بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
مدبرة بين رجلين جاءت بولد ولم يدع أحدهما فهو مدبر بينهما كأمه ; لأن ولد المدبرة مدبر لما نذر في بيان حكم التدبير إن شاء الله تعالى .

فإن ادعاه أحدهما فالقياس أن لا يثبت نسبه منه ، وهو قول زفر وإليه مال الطحاوي من أصحابنا ، وفي الاستحسان يثبت ، وجه القياس أنهما لما دبراه فقد ثبت حق الولاء لهما جميعا ; لأنه ولد مدبرتهما جميعا ، وفي إثبات النسب من المدعي إبطال هذا الحق عليه ، والولاء لا يلحقه الفسخ .

وجه الاستحسان أن النسب قد ثبت في نصيب المدعي لوجود سبب الثبوت وهو الوطء في الملك ، وإذا ثبت في نصيبه يثبت في نصيب شريكه ; لأن النسب لا يتجزأ .

وأما قوله : حق الولاء لا يحتمل الفسخ .

فنقول نحن : يثبت النسب ولا يسقط حق الولاء ; لأنه لا تنافي بينهما ، فيثبت النسب من الشريك المدعي ويبقى نصف الولاء للشريك الآخر ، وصار نصف الجارية أم ولد له ، ونصفها مدبرة على حالها للشريك ، فإن قيل : الاستيلاد لا يتجزأ وهذا قول بالتجزئة فالجواب ما ذكرنا في كتاب العتاق أنه متجزئ في نفسه [ ص: 119 ] عند أبي حنيفة كالإعتاق إلا أنه يتكامل في بعض المواضع لوجود سبب التكامل .

على أنا نقول : الاستيلاد لا يتجزأ فيما يحتمل نقل الملك فيه .

فأما ما لا يحتمل فهو متجزئ ، وههنا لا يحتمل لما نذكر ويغرم المدعي نصف العقر لشريكه ونصف قيمة الولد مدبرا ، ولا يضمن نصف قيمة الأم أما وجوب نصف العقر فلأنه أقر بالوطء في ملك الغير لإقراره بوطء مدبرة مشتركة بينهما ، وأنه حرام إلا أن الحد لا يجب للشبهة ; لأن نصف الجارية ملكه ، فيجب العقر ، ويغرم نصف قيمة الولد مدبرا ; لأنه بالدعوة أتلف على شريكه ملكه الثابت ظاهرا ; لأنه حصل في محل هو ملكهما ، فإذا ادعاه فقد أتلف على شريكه ملكه الثابت من حيث الظاهر بإخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة الكسب والخدمة ، فيضمن نصف قيمته مدبرا ; لأنه أتلف على شريكه نصف المدبر ولا يغرم نصف قيمة الجارية ; لأن نصيب الشريك قد بقي على ملكه ولم تصر الجارية كلها أم ولد له ; لأن استيلاد نصيب شريكه يعتمد تملك نصيبه ، ونصيبه لا يحتمل التملك لكونه مدبرا ، بخلاف الأمة القنة بين رجلين جاءت بولد ، فادعاه أحدهما أنه يثبت النسب ويغرم نصف عقر الجارية لشريكه ، وتصير الجارية كلها أم ولد له ، ولا يغرم من قيمة الولد شيئا ; لأن هناك نصيب الشريك محتمل النقل ، فأمكن القول بتملك نصيبه ببدل ضرورة صحة الاستيلاد ، والتملك يستند إلى وقت العلوق ، فتبين أن الولد حدث على ملكه فلا يكون مضمونا عليه ، وههنا نصيب الشريك لا يحتمل النقل فيقتصر الاستيلاد على نصيب المدعي وينفرد الولد بالضمان لانفراده بسبب وجوب الضمان ، فإن مات المدعي أولا عتق نصيبه بغير شيء ; لأن نصيبه أم ولد له فلا تسعى في نصيبه ، ولا يضمن للشريك الساكت شيئا لحصول العتق من غير صنعه وهو الموت ، ويسعى في نصيب الآخر في قولهم جميعا ; لأن نصيبه مدبر ، فإن مات الآخر قبل أن يأخذ السعاية عتق كلها إن خرجت من ثلث ماله ، وبطلت السعاية عنها في قياس قول أبي حنيفة ، وعلى قياس قولهما لا تبطل بناء على أن الإعتاق يتجزأ عنده ، وعندهما لا يتجزأ وقد ذكرنا وجه البناء فيما تقدم وإن مات الذي لم يدع أولا عتق نصيبه من الثلث ; لأن نصيبه مدبر له ولا يسعى في نصيب الآخر في قول أبي حنيفة ; لأن نصيبه أم ولد له ورق أم الولد ليس بمتقوم عنده ، وفي قولهما يسعى لأن رقه متقوم فإن لم يمت واحد منهما حتى ولدت ولدا آخر فادعاه فهو ضامن لنصف العقر ; لأنه أقر بوطء مدبرة مشتركة بينهما ، وأيهما مات يعتق كل الجارية ; لأن نصيب كل واحد منهما أم ولد ، وأم الولد إذا أعتق بعضها عتق كلها ولا سعاية عليها ، وإن جاءت بولد وادعياه جميعا معا ثبت نسبه منهما جميعا وصارت الجارية أم ولد لهما جميعا ويبطل التدبير إلى خلف هو خير ، وهو الاستيلاد ; لأن عتق الاستيلاد ينفذ من جميع المال فكان خيرا لها من التدبير ، وحكم الضمان في القن ما هو الحكم في الجارية القنة وسنذكره في كتاب الاستيلاد إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية