بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( كتاب المكاتب ) :

الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان جواز المكاتبة ، وفي بيان ركن المكاتبة ، وفي بيان شرائط [ ص: 134 ] الركن ، وفي بيان ما يملكه المكاتب من التصرفات وما لا يملكه ، وفي بيان ما يملكه المولى من التصرف في المكاتب وما لا يملكه ، وفي بيان صفة المكاتبة ، وفي بيان حكم المكاتبة ، وفي بيان ما تنفسخ به المكاتبة .

أما الأول : فالقياس أن لا تجوز المكاتبة لما فيها من إيجاب الدين للمولى على عبده ، وليس يجب للمولى على عبده دين ، وفي الاستحسان جائز بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .

أما الكتاب فقوله عز وجل { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وأدنى درجات الأمر الندب .

فكانت الكتابة مندوبا إليها فضلا عن الجواز ، وقوله عز وجل { إن علمتم فيهم خيرا } أي رغبة في إقامة الفرائض ، وقيل : وفاء لأمانة الكتابة ، وقيل : حرفة .

وروي هذا { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله عز وجل خيرا أي حرفة } ولا ترسلوهم كلابا على الناس .

وأما السنة فما روى محمد بن الحسن بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها كلها إلا عشر أواق فهو رقيق } وقال صلى الله عليه وسلم { المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } وروي { أن عائشة رضي الله عنها كاتبت بريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها } وعليه إجماع الأمة ، وبه تبين أن قول داود بن علي الأصفهاني أن الكتابة واجبة قول مخالف للإجماع ، وإن تعلقه بظاهر الأمر لا يصح ; لأن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتركون مماليكهم بعد موتهم ميراثا لورثتهم من غير نكير ، فعلم أن ليس المراد من هذا الأمر الوجوب .

وأما الجواب عن وجه القياس إن المولى لا يجب له على عبده دين .

فهذا على الإطلاق ممنوع ، وإنما نسلم ذلك في العبد القن لا في المكاتب والمستسعى ; لأن كسب القن ملك المولى ، وكسب المكاتب والمستسعى ملكهما لا حق للمولى فيه ; فكان المولى كالأجنبي عن كسب المكاتب ، فأمكن إيجاب الدين للمولى عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية