بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( أما ) السؤر الطاهر المتفق على طهارته فسؤر الآدمي بكل حال مسلما كان أو مشركا ، صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى ، طاهرا أو نجسا حائضا أو جنبا ، إلا في حال شرب الخمر ; لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه أتي بعس من لبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيا كان على [ ص: 64 ] يمينه فشرب ، ثم ناوله أبا بكر فشرب } .

وروي أن عائشة رضي الله عنها { شربت من إناء في حال حيضها فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه على موضع فمها حبا لها فشرب } ; ولأن سؤره متحلب من لحمه - ولحمه طاهر - فكان سؤره طاهرا إلا في حال شرب الخمر ; لنجاسة فمه ، وقيل : هذا إذا شرب الماء من ساعته ، فأما إذا شرب الماء بعد ساعة معتبرة ابتلع بزاقه فيها ثلاث مرات ، يكون طاهرا عند أبي حنيفة - خلافا لهما - بناء على مسألتين : إحداهما - إزالة النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن بما سوى الماء من المائعات الطاهرة والثانية - إزالة النجاسة الحقيقية بالغسل في الأواني ثلاث مرات وأبو يوسف مع أبي حنيفة في المسألة الأولى ، ومع محمد في المسألة الثانية ، لكن اتفق جوابهما في هذه المسألة لأصلين مختلفين : أحدهما - أن الصب شرط عند أبي يوسف ولم يوجد .

والثاني - أن ما سوى الماء من المائعات ليس بطهور عند محمد وبعض أصحاب الظواهر كرهوا سؤر المشرك لظاهر قوله تعالى { إنما المشركون نجس } وعندنا هو محمول على نجاسة خبث الاعتقاد ; بدليل ما روي عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين } ، ولو كان عينهم نجسا لما فعل مع أمره بتطهير المسجد ، وإخباره عن انزواء المسجد من النخامة مع طهارتها وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطيور إلا الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة ; لأن سؤره متولد من لحمه ، ولحمه طاهر .

وروي أن { النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بسؤر بعير أو شاة } ، إلا أنه يكره سؤر الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة ; لاحتمال نجاسة فمها ومنقارها ; لأنها تأكل النجاسة ، حتى لو كانت محبوسة لا يكره ، ( وصفة ) الدجاجة المحبوسة أن لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها فإن كان يصل فهي مخلاة ; لأن احتمال بحث النجاسة قائم .

وأما سؤر الفرس فعلى قول أبي يوسف ومحمد طاهر ; لطهارة لحمه ، وعن أبي حنيفة روايتان : - كما في لحمه - في رواية الحسن نجس كلحمه ، وفي ظاهر الرواية طاهر كلحمه ، وهي رواية أبي يوسف عنه وهو الصحيح ; لأن كراهة لحمه لا لنجاسته بل لتقليل إرهاب العدو ، وآلة الكر والفر ، وذلك منعدم في السؤر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية