بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما ولاء الموالاة فالكلام فيه في مواضع في بيان ثبوته شرعا ، وفي .

بيان سبب الثبوت وفي بيان شرائط الثبوت ، وفي بيان صفة السبب ، وفي بيان حكمه وفي بيان صفة الحكم ، وفي بيان ما يظهر به أما الأول فقد اختلف في ثبوت هذا الولاء .

قال أصحابنا : إنه ثابت ويقع به التوارث ، وهو قول عمر وعلي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وقال زيد بن ثابت : رضي الله عنه إنه يورث به ويوضع في بيت المال ، وبه أخذ مالك والشافعي ، وجه قولهما : إن في عقد الولاء إبطال حق جماعة المسلمين ; لأنه إذا لم يكن للعاقد وارث كان ورثته جماعة المسلمين ألا ترى أنهم يعقلون عنه فقاموا مقام الورثة المعينين ، وكما لا يقدر على إبطال حقهم لا يقدر على إبطال حق من قام مقامهم ، ولهذا قالا : إذا أوصى بجميع ماله لإنسان ، ولا وارث له لم يصح ; لأنه إذا لم يكن له وارث معين كان وارثه جماعة المسلمين ، فلا يملك إبطال حقهم كذا هذا والصحيح قولنا بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب الكريم فقوله عز وجل { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } والمراد من النصيب الميراث ; لأنه سبحانه وتعالى أضاف النصيب إليهم ، فيدل على قيام حق لهم مقدر في التركة وهو الميراث ; لأن هذا معطوف على قوله { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } لكن عند عدم ذوي الأرحام عرفناه بقوله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .

وأما السنة فما روي عن تميم الداري رضي الله عنه أنه قال { : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن أسلم على يدي رجل ، ووالاه فقال صلى الله عليه وسلم هو أحق الناس به محياه ومماته } أي حال حياته وحال موته ، أراد به صلى الله عليه وسلم محياه في العقل ومماته في الميراث .

وأما المعقول فهو أن بيت المال إنما يرث بولاء الإيمان فقط ; لأنه بيت مال المؤمنين قال الله عز وجل { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وللمولى هذا الولاء وولاء المعاقدة ، فكان أولى من عامة المؤمنين ألا ترى أن مولى العتاقة أولى من بيت المال للتساوي في ولاء الإيمان ؟ والترجيح لولاء العتق كذا هذا ، إلا أن مولى الموالاة يتأخر عن سائر الأقارب ، ومولى العتاقة يتقدم على ذوي الأرحام ; لأن الولاء بالرحم فوق الولاء بالعقد .

فيخلف عن ذوي الأرحام ، وولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالإعتاق الذي هو إحياء وإيلاد معنى ألحق بالتعصيب من حيث المعنى ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم { الولاء لحمة كلحمة النسب } وأما قولهما إن جماعة المسلمين ورثته فلا يقدر على إبطال حقهم بالعقد .

فنقول : إنما يصيرون ورثته إذا مات قبل المعاقدة فأما بعد المعاقدة فلا ، والدليل على بطلان هذا الكلام أنه تصح وصيته بالثلث ، ولو كان كذلك لما صحت لكونها وصية للوارث .

التالي السابق


الخدمات العلمية