بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
، وإذا كان الخلاف في الصفة نحو أن دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ مسمى فصبغه بصبغ آخر لكنه من جنس ذلك اللون فلصاحب الثوب أن يضمنه قيمته أبيض ، ويسلم إليه الثوب ، وإن شاء أخذ الثوب ، وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمي .

أما ثبوت الخيار فلما ذكرنا من الخلاف في الجنس ، وإنما ، وجب الأجر ههنا ; لأن الخلاف في الصفة لا يخرج العمل من أن يكون معقودا عليه ، فقد أتى بأصل المعقود عليه إلا أنه لم يأت بوصفه ، فمن حيث إنه لم يأت بوصفه المأذون فيه لم يجب المسمى ، ومن حيث إنه أتى بالأصل ، وجب أجر المثل ، ولا يجاوز به المسمى ; لأن هذا شأن أجر المثل لما نذكر إن شاء الله تعالى .

وروى هشام عن محمد فيمن دفع إلى رجل شبها ليضرب له طشتا موصوفا معروفا فضرب له كوزا قال : إن شاء ضمنه مثل شبهه ويصير الكوز للعامل ، وإن شاء أخذه أعطاه أجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمي ; لأن العقد وقع على الضرب والصناعة صفة ، فقد فعل المعقود عليه بأصله ، وخالف في ، وصفه فيثبت للمستعمل الخيار ، وعلى هذا إذا دفع إلى حائك غزلا ليحوك له ثوبا صفيقا فحاك له ثوبا رقيقا أو شرط عليه أن يحوك له ثوبا رقيقا فحاكه صفيقا إن صاحب الغزل بالخيار : إن شاء ضمنه غزله ، وإن شاء أخذ الثوب ، وأعطاه مثل أجر عمله لا يجاوز ما سمي ، وذكر في الأصل إذا دفع خفه إلى خفاف لينعله فأنعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف ، فصاحب الخف بالخيار : إن شاء ضمنه خفه ، وإن شاء أخذه ، وأعطاه أجر مثله في عمله ، وقيمة النعل ، لا يجاوز به ما سمي ، وإن كان ينعل بمثله الخفاف فهو جائز ، وإن لم يكن جيدا .

وأما ثبوت الخيار إذا أنعله بما لا ينعل بمثله الخفاف فلأنه لم يأت بالمأمور به رأسا بل أتى بالمأمور به ابتداء فصار كالغاصب إذا أنعل الخف [ ص: 217 ] المغصوب فكان للمالك أن يضمنه كالغاصب ، وله أن يأخذ الخف ; لأن ولاية التضمين تثبت لحق المالك فإذا رضي بالأخذ كان له ذلك ، وإذا أخذ أعطاه أجر مثله ; لأنه مأذون في العمل ، وقد أتى بأصل العمل ، وإنما خالف في الصفة فله أن يختاره ويعطيه أجر المثل ، ولا يعطيه المسمى ; لأن ذلك بمقابلة عمل موصوف ولم يأت بالصفة ، ويعطيه ما زاد النعل ; لأنه عين مال قائم للخفاف فصار بمنزلة الصبغ في الثوب ، وإنما جعل الخيار في هذه المسائل إلى صاحب الخف ، والثوب ; لأنه صاحب متبوع والنعل ، والصبغ تبع فكان إثبات الخيار لصاحب الأصل أولى ، وإن كان يفعل بمثله الخفاف فهو جائز ، وإن لم يكن جيدا ; لأن الإذن يتناول أدنى ما يقع عليه الاسم وقد وجد ، ولو شرط عليه جيدا فأنعله بغير جيد فإن شاء ضمنه قيمة الخف ، وإن شاء أخذ الخف وأعطاه أجر مثل عمله ، وقيمة ما زاد فيه ، ولا يجاوز به ما سمي ; لأن الرديء من جنس الجيد ، ويثبت الخيار لفوات الوصف المشروط .

التالي السابق


الخدمات العلمية