بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان ما ينتهي به عقد الإجارة فعقد الإجارة ينتهي بأشياء منها الإقالة ; لأنه معاوضة المال بالمال فكان محتملا للإقالة كالبيع .

ومنها موت من وقع له الإجارة إلا لعذر عندنا ، وعند الشافعي لا يبطل بالموت كبيع العين ، والكلام فيه على أصل ذكرناه في كيفية انعقاد هذا العقد ، وهو أن الإجارة عندنا تنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنافع شيئا فشيئا .

وإذا كان كذلك فما يحدث من المنافع في يد الوارث لم يملكها المورث لعدمها ، والملك صفة الموجود لا المعدوم فلا يملكها الوارث ، إذ الوارث إنما يملك ما كان على ملك المورث ، فما لم يملكه يستحيل وراثته ، بخلاف بيع العين ; لأن العين ملك قائم بنفسه ملكه المورث إلى وقت الموت ، فجاز أن ينتقل منه إلى الوارث ; لأن المنافع لا تملك إلا بالعقد وما يحدث منها في يد الوارث لم يعقد عليه رأسا ; لأنها كانت معدومة حال حياة المورث ، والوارث لم يعقد عليها فلا يثبت الملك فيها للوارث ، وعند الشافعي منافع المدة تجعل موجودة للحال كأنها أعيان قائمة ، فأشبه بيع العين ، والبيع لا يبطل بموت أحد المتبايعين ، كذا الإجارة ، وعلى هذا يخرج ما إذا أجر رجلان دارا من رجل ثم مات أحد المؤاجرين أن الإجارة تبطل في نصيبه عندنا ، وتبقى في نصيب الحي على حالها ; لأن هذا شيوع طارئ ، وإنه لا يؤثر في العقد في الرواية المشهورة لما بينا فيما تقدم ، وكذلك لو استأجر رجلان من رجل دارا فمات أحد المستأجرين فإن رضي الوارث بالبقاء على العقد ، ورضي العاقد أيضا جاز ، ويكون ذلك بمنزلة عقد مبتدإ ، ولو مات الوكيل بالعقد لا تبطل الإجارة ; لأن العقد لم يقع له ، وإنما هو عاقد ، وكذا لو مات الأب أو الوصي لما قلنا ، وكذا لو مات أبو الصبي في استئجار الظئر لا تنقض الإجارة ; لأن الإجارة وقعت للصبي والظئر وهما قائمان ، ولو مات الظئر انتقضت الإجارة وكذا لو مات الصبي ; لأن كل واحد منهما معقود له ، والأصل أن الإجارة تبطل بموت المعقود له ، ولا تبطل بموت العاقد ، وإنما كان كذلك لأن استيفاء العقد بعد موت من وقع له العقد يوجب تغيير موجب العقد ; لأن من وقع له إن كان هو المؤاجر فالعقد يقتضي استيفاء المنافع من ملكه ، ولو بقيناه بعد موته لاستوفيت المنافع من ملك غيره ، وهذا خلاف مقتضى العقد ، وإن كان هو المستأجر فالعقد يقتضي استحقاق الأجرة من ماله ، ولو بقينا العقد بعد موته لاستحقت الأجرة من مال غيره ، وهذا خلاف موجب العقد ، بخلاف ما إذا مات من لم يقع العقد له كالوكيل ، ونحوه ; لأن العقد منه لا يقع مقتضيا استحقاق المنافع ، ولا استحقاق الأجرة من ملكه ، فإبقاء العقد بعد موته لا يوجب تغيير موجب العقد ، وكذلك الولي في الوقف إذا عقد ثم مات لا تنتقض الإجارة ; لأن العقد لم يقع له فموته لا يغير حكمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية