بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) الذي يخص بعض الشفعاء دون بعض فأنواع منها أن يبيع دارا إلا ذراعا منها في طول الحد الذي يلي دار الشفيع ، فالشفيع لا يستحق الشفعة ; أما في قدر الذراع فلانعدام الشرط وهو البيع وأما فيما وراء ذلك فلانعدام السبب وهو الجوار ، ومنها أن يهب البائع الحائط الذي بينه وبين الجار مع أصله للمشتري مقسوما ويسلمه إليه أو يهب له من الأرض قدر ذراع من الجانب الذي يلي دار الشفيع ويسلمه إليه ثم يبيع منه البقية بالثمن فلا شفعة للجار لا في الموهوب ولا في المبيع .

( أما ) في الموهوب فلانعدام شرط وجوب الشفعة - وهو البيع - وأما في المبيع فلانعدام سبب الوجوب وهو الجوار ، ومنها أن يبيع الدار نصفين فيبيع الحائط بأصله أولا بثمن كثير ثم يبيع بقية الدار بثمن قليل فلا شفعة للشفيع شرعا فيما وراء الحائط لانعدام السبب وهو الجوار ولا يأخذ الحائط عادة لكثرة الثمن .

ومنها أن يبيع الدار والأرض في صفقتين فيبيع من الدار بناها ومن الأرض أشجارها أولا بثمن قليل ثم يبيع الأرض بثمن كثير فلا شفعة للشفيع في البناء والشجر شرعا لانفرادهما بالصفقة ، ولا يأخذ الأرض بذلك الثمن عادة ليضمن تكثير الثمن ومنها أن يبيع الدار نصفين فيبيع عشرا منها بثمن كثير ثم يبيع البقية بثمن قليل فلا يأخذ الشفيع العشر بثمنه عادة لما فيه من الضرر ، ولا شفعة له في تسعة أعشارها شرعا لأنه حين اشترى البقية كان شريك البائع بالعشر ، والشريك في البقعة مقدم على الجار والخليط ، وهذا النوع من الحيلة لا يصلح للشريك ; لأن الشفيع إذا كان شريكا له أن يأخذ نصف البقعة بقليل الثمن أيضا .

ولو كانت الدار لصغير فلا تباع بقية الدار بقليل الثمن لأنه لا يجوز إذ هو بيع مال الصغير بأقل من قيمته مقدار ما يتغابن الناس في مثله عادة .

والولي لا يملك ذلك فالسبيل فيه أن تباع بقية الدار بثمن مثله .

( ومنها ) ما ذكره الخصاف رحمه الله أن يقر البائع بسهم من الدار للمشتري ثم يبيع بقية الدار منه فلا يستحق الشفيع الشفعة ، أما في القدر المقر به فلانعدام شرط الاستحقاق وهو البيع .

وأما فيما وراء ذلك ; فلأن المشتري صار شريك البائع في ذلك السهم ، والشريك في البقعة مقدم على الجار والخليط ، ومن [ ص: 35 ] مشايخنا من كان يفتي بوجوب الشفعة في هذه الصورة ويخطئ الخصاف ; لأن الشركة في السهم المقر به لم تثبت إلا بإقرار فلا يظهر في حق الشفيع على ما بينا فيما تقدم والله عز وجل أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية