بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) الذي هو بعد الذبح فالمستحب أن يتربص بعد الذبح قدر ما يبرد ويسكن من جميع أعضائه وتزول الحياة عن جميع جسده ويكره أن ينخع ويسلخ قبل أن يبرد لما ذكرنا في كتاب الذبائح ولصاحب الأضحية أن يأكل من أضحيته لقوله تعالى { فكلوا منها } ولأنه ضيف الله - جل شأنه - في هذه الأيام كغيره فله أن يأكل من ضيافة الله - عز شأنه - وجملة الكلام فيه أن الدماء أنواع ثلاثة : .

نوع يجوز لصاحبه أن يأكل منه بالإجماع ، ونوع لا يجوز له أن يأكل منه بالإجماع ، ونوع اختلف فيه ، الأول دم الأضحية نفلا كان أو واجبا منذورا كان أو واجبا مبتدأ ، والثاني دم الإحصار وجزاء الصيد ودم الكفارة الواجبة بسبب الجناية على الإحرام كحلق الرأس ولبس المخيط والجماع بعد الوقوف بعرفة وغير ذلك من الجنايات ، ودم النذر بالذبح ، والثالث دم المتعة والقران ، فعندنا يؤكل وعند الشافعي رحمه الله لا يؤكل ، وهي من مسائل المناسك ثم كل دم يجوز له أن يأكل منه لا يجب عليه أن يتصدق به بعد الذبح ; إذ لو وجب عليه التصدق لما جاز له أن يأكل منه ، وكل دم لا يجوز له أن يأكل منه يجب عليه أن يتصدق به بعد الذبح إذ لو لم يجب لأدى إلى التسييب .

ولو هلك اللحم بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين جميعا أما في النوع الأول فظاهر وأما في الثاني فلأنه هلك عن غير صنعه فلا يكون مضمونا عليه وإن استهلكه بعد الذبح إن كان من النوع الثاني يغرم قيمته لأنه أتلف مالا متعينا للتصدق به فيغرم قيمته ويتصدق بها ، وإن كان من النوع الأول لا يغرم شيئا ولو باعه نفذ بيعه سواء كان من النوع الأول أو الثاني فعليه أن يتصدق بثمنه ويستحب له أن يأكل من أضحيته لقوله تعالى - عز شأنه - { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته ويطعم منه غيره } .

وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال لغلامه قنبر - حين ضحى بالكبشين [ ص: 81 ] يا قنبر خذ لي من كل واحد منهما بضعة وتصدق بهما بجل ودهما وبرءوسهما وبأكارعهما ، والأفضل أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث لقوله تعالى { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } وقوله - عز شأنه - { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } وقول النبي عليه الصلاة والسلام { كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا } فثبت بمجموع الكتاب العزيز والسنة أن المستحب ما قلنا ولأنه يوم ضيافة الله - عز وجل - بلحوم القرابين فيندب إشراك الكل فيها ويطعم الفقير والغني جميعا لكون الكل أضياف الله تعالى - عز شأنه - في هذه الأيام وله أن يهبه منهما جميعا ، ولو تصدق بالكل جاز ولو حبس الكل لنفسه جاز ; لأن القربة في الإراقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية