بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وعلى هذا يخرج بيع رباع مكة ، وإجارتها أنه لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه وروي عنه أنه يجوز ، وبه أخذ الشافعي رحمه الله لعمومات البيع من غير فصل بين أرض الحرم ، وغيرها ، ولأن الأصل في الأراضي كلها أن تكون محلا للتمليك إلا أنه امتنع تملك بعضها شرعا لعارض الوقف كالمساجد ، ونحوها ، ولم يوجد في الحرم فبقي محلا للتمليك .

( ولنا ) ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { إن الله - تبارك وتعالى - حرم مكة يوم خلقها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يحتش حشيشها } أخبر عليه الصلاة والسلام أن مكة حرام ، وهي اسم للبقعة ، والحرام لا يكون محلا للتمليك .

وروي عن عبد الله ابن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { مكة حرام ، وبيع رباعها حرام } ، وهذا نص في الباب ، ولأن الله - تبارك وتعالى - وضع للحرم حرمة ، وفضيلة ، ولذلك جعله - سبحانه وتعالى - مأمنا قال الله - تبارك وتعالى جل شأنه - { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } .

فابتذاله بالبيع ، والشراء ، والتمليك ، والتملك امتهان ، وهذا لا يجوز بخلاف سائر الأراضي ، وقيل : إن بقعة مكة وقف حرم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا حجة في العمومات ; لأنه خص منها الحرم بالحديث المشهور ، ويجوز بيع بناء بيوت مكة ; لأن الحرم للبقعة لا للبناء .

وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : كره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج ، والمعتمر ، فأما من المقيم والمجاور فلا بأس بذلك ، وهو قول محمد رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية