بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) الذي يرجع إلى النفاذ فنوعان أحدهما الملك أو الولاية أما الملك .

فهو أن يكون المبيع مملوكا للبائع فلا ينفذ بيع الفضولي لانعدام الملك ، والولاية لكنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك ، وعند الشافعي رحمه الله هو شرط الانعقاد أيضا حتى لا ينعقد بدونه ، وأصل هذا أن تصرفات الفضولي التي لها مجيز حالة العقد منعقدة موقوفة على إجازة المجيز من البيع ، والإجارة ، والنكاح ، والطلاق ، ونحوها فإن أجاز ينفذ ، وإلا فيبطل ، وعند الشافعي رحمه الله تصرفاته باطلة .

( وجه ) قول الشافعي رحمه الله أن صحة التصرفات الشرعية بالملك أو بالولاية ، ولم يوجد أحدهما فلا تصح ، وهذا ; لأن صحة التصرف الشرعي هو اعتباره في حق الحكم الذي ، وضع له شرعا لا يعقل للصحة معنى سوى هذا .

( فأما ) الكلام الذي لا حكم له لا يكون صحيحا شرعا ، والحكم الذي وضع له البيع شرعا وهو الملك لا يثبت حال وجوده لعدم شرطه ، وهو الملك أو الولاية فلم يصح ، ولهذا لم يصح شراؤه فكذا بيعه .

( ولنا ) عمومات البيع من نحو قوله - تبارك ، وتعالى - { ، وأحل الله البيع } ، وقوله - عز شأنه - { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } [ ص: 149 ] وقوله - سبحانه وتعالى - { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ، وابتغوا من فضل الله } شرع - سبحانه وتعالى - البيع والشراء والتجارة وابتغاء الفضل من غير فصل بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة ، وبين ما إذا وجد من الوكيل في الابتداء أو بين ما إذا ، وجدت الإجارة من المالك في الانتهاء وبين وجود الرضا في التجارة عند العقد أو بعده فيجب العمل بإطلاقها إلا ما خص بدليل .

وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام { أنه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام رضي الله عنه وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاتين ، ثم باع إحداهما بدينار ، وجاء بدينار وشاة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فدعا له بالبركة ، وقال : عليه الصلاة والسلام بارك الله في صفقة يمينك } ، ومعلوم أنه لم يكن حكيم مأمورا ببيع الشاة فلو لم ينعقد تصرفه لما باع ، ولما دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير ، والبركة على ما فعل ، ولأنكر عليه ; لأن الباطل ينكر ، ولأن تصرف العاقل محمول على الوجه الأحسن ما أمكن ، وقد أمكن حمله على الأحسن ههنا ، وقد قصد البر به والإحسان إليه بالإعانة على ما هو خير للمالك في زعمه لعلمه بحاجته إلى ذلك لكن لم يتبين إلى هذه الحالة لموانع ، وقد يغلب على ظنه زوال المانع فأقدم عليه نظرا لصديقه ، وإحسانا إليه لبيان المحمدة والثناء لتحمل مؤنة مباشرة التصرف الذي هو محتاج إليه والثواب من الله - عز وجل - بالإعانة على البر والإحسان قال الله - تبارك وتعالى - { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وقال - تعالى جل شأنه - { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } إلا أن في هذه التصرفات ضررا في الجملة ; لأن للناس رغائب في الأعيان ، وقد يقدم الرجل على شيء ظهرت له الحاجة عنه بإزالته عن ملكه لحصول غرضه بدون ذلك ونحو ذلك فيتوقف على إجازة المالك حتى لو كان الأمر على ما ظنه مباشر التصرف إجازة وحصل له النفع من جهته ، فينال الثواب والثناء وإلا فلا يجيزه ، ويثني عليه بقصد الإحسان وإيصال النفع إليه فلا يجوز القول بإهدار هذا التصرف ، وإلحاق كلامه ، وقصده بكلام المجانين ، وقصدهم مع ندب الله - عز وجل - إلى ذلك ، وحثه عليه لما تلونا من الآيات ، وقوله صحة التصرف عبارة عن اعتباره في حق الحكم قلنا نعم ، وعندنا هذا التصرف مفيد في الجملة ، وهو ثبوت الملك فيما يتضرر المالك بزواله موقوفا على الإجازة إما من كل وجه أو من بوجه لكن لا يظهر شيء من ذلك عند العقد ، وإنما يظهر عند الإجازة ، وهو تفسير التوقف عندنا أن يتوقف في الجواب في الحال أنه صحيح في حق الحكم أم لا ، ولا يقطع القول به للحال ، ولكن يقطع القول بصحته عند الإجازة ، وهذا جائز ، وله نظائر في الشرع ، وهو البيع بشرط الخيار للبائع أو المشتري على ما عرف .

( وأما ) شراء الفضولي ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية