بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ثم ، ولي اليتيم هل يأكل من مال اليتيم ؟ فنقول : لا خلاف في أنه إذا كان غنيا لا يأكل لقوله تعالى { ، ومن كان غنيا فليستعفف } فأما إذا كان فقيرا فهل له أن يأكل على سبيل الإباحة أو ليس له أن يأكل إلا قرضا ؟ اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن له أن يأكل على سبيل الإباحة لكن بالمعروف من غير إسراف ، وهو قول سيدتنا عائشة رضي الله عنها وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه يأكل قرضا فإذا أيسر قضى ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما احتج هؤلاء بقوله - تعالى - { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } أمر سبحانه وتعالى - بالإشهاد على الأيتام عند دفع المال إليهم .

ولو كان المال في أيدي الأولياء بطريق الأمانة لكان لا حاجة إلى الإشهاد ; لأن القول قول الولي إذا قال : دفعت المال إلى اليتيم عند إنكاره ، وإنما الحاجة إلى الإشهاد عند الأخذ قرضا ليأكل منه ; لأن في قضاء الدين القول قول صاحب الدين لا قول من يقضي الدين ، وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه فسر قوله - عز وجل - { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } قال : قرضا احتج الأولون بظاهر قوله - عز شأنه - { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } أطلق الله - عز شأنه - لولي اليتيم أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف ، وهو الوسط من غير إسراف .

وروي { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ليس لي مال ، ولي يتيم فقال عليه الصلاة والسلام : كل من مال يتيمك [ ص: 155 ] غير مسرف ولا متأثل مالك بماله } وذكر محمد ومالك في الموطإ أن الأفضل هو الاستعفاف من ماله ; لما روي أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له : أوصي إلي يتيم فقال عبد الله : لا تشتر من ماله شيئا ، ولا تستقرض من ماله شيئا والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية