بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ويتصل بالشروط المفسدة ما إذا باع حيوانا واستثنى ما في بطنه من الحمل : إن البيع فاسد ; لأن بيع الحمل بانفراده لا يجوز ; فكان استثناؤه بمنزلة شرط فاسد أدخل في البيع فوجب فساد البيع ، وكذلك هذا في عقد الإجارة والكتابة والرهن ، بخلاف النكاح والخلع ، والصلح عن دم العمد ، والهبة ، والصدقة ; لأن استثناء الحمل في هذه العقود لا يبطلها ، وكذلك في الإعتاق ; لما أن استثناء ما في البطن بمنزلة شرط فاسد ، والبيع وأخواته تبطلها الشروط الفاسدة ; فكان الشرط فاسدا ، والعقد فاسدا فأما النكاح ونحوه فلا تبطله الشروط الفاسدة فجاز العقد وبطل الشرط ; فيدخل في العقد الأم والولد جميعا ، وكذا في العتق ، وكذا إذا باع حيوانا واستثنى شيئا من أطرافه ; فالبيع فاسد .

ولو باع صبرة واستثنى قفيزا منها ; فالبيع جائز في المستثنى منه ، وكذا إذا باع صبرة واستثنى جزءا شائعا منها : ثلثها ، أو ربعها ، أو نحو ذلك ، ولو باع قطيعا من الغنم واستثنى شاة منها بغير عينها ; فالبيع فاسد ، ولو استثنى شاة منها بعينها ; فالبيع جائز ، والأصل في هذا أن من باع جملة واستثنى منها شيئا فإن استثنى ما يجوز إفراده بالبيع ; فالبيع في المستثنى منه جائز ، وإن استثنى ما لا يجوز إفراده بالبيع ; فالبيع في المستثنى منه فاسد .

ولو باع الثمرة على رءوس النخل واستثنى منها صاعا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه يجوز ; لأنه استثنى ما يجوز إفراده بالبيع فأشبه ما إذا باع جزءا مشاعا منه من الثلث والربع ، وكذا لو كان الثمر مجذوذا فباع الكل واستثنى صاعا يجوز ، وأي فرق بين المجذوذ وغير المجذوذ ؟ وذكر الطحاوي في مختصره أنه لا يجوز ، وإليه أشار محمد في الموطإ ، فإنه قال : لا بأس بأن يبيع الرجل ثمرة ويستثني منها بعضها إذا استثنى شيئا في جملته ربعا ، أو خمسا ، أو سدسا قيد الجواز بشرط أن يكون المستثنى مشاعا في الجملة ، فلو ثبت الجواز في المعين لم يكن لتقييده بهذا الشرط معنى ، وكذا روى الحسن بن زياد أنه قال : لا يجوز ، وكذا ذكر القدوري رحمه الله في مختصره ثم فساد العقد بما ذكرنا من الشروط مذهب أصحابنا ، وقال ابن أبي ليلى : البيع جائز ، والشرط باطل .

وقال ابن شبرمة : البيع جائز والشرط جائز ، والصحيح قولنا ; لما روى أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع وشرط } والنهي يقتضي فساد المنهي فيدل على فساد كل بيع وشرط إلا ما خص عن عموم النص ; ولأن هذه الشروط بعضها فيه منفعة زائدة ترجع إلى العاقدين ، أو إلى غيرهما ، وزيادة منفعة مشروطة في عقد البيع تكون ربا والربا حرام ، والبيع الذي فيه ربا فاسد وبعضها فيه غرر { ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 176 ] عن بيع فيه غرر } والمنهي عنه فاسد ، وبعضها شرط التلهي وأنه محظور ، وبعضها يغير مقتضى العقد وهو معنى الفساد ، إذ الفساد هو التغيير والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية