بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) أن لا يكون بالخف خرق كثير ، فأما اليسير ، فلا يمنع المسح ، وهذا قول أصحابنا الثلاثة وهو استحسان ، والقياس أن يمنع قليله ، وكثيره ، وهو قول زفر ، والشافعي وقال مالك ، ، وسفيان الثوري ، الخرق لا يمنع جواز المسح ، قل أو كثر ، بعد أن كان ينطلق عليه اسم الخف .

وجه قولهما أن الشرع ورد بالمسح على الخفين ، فما دام اسم الخف له باقيا ، يجوز المسح عليه .

وجه القياس أنه لما ظهر شيء من القدم ، وإن قل وجب غسله لحلول الحدث به ، لعدم الاستتار بالخف ، والرجل في حق الغسل غير متجزئة ، فإذا وجب غسل بعضها ، وجب غسل كلها وجه الاستحسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم بالمسح ، مع علمه بأن خفافهم لا تخلو عن قليل الخروق ، فكان هذا منه بيانا أن القليل من الخروق لا يمنع المسح ; ولأن المسح أقيم مقام الغسل ترفها ، فلو منع قليل الانكشاف ، لم يحصل الترفيه لوجوده في أغلب الخفاف ، والحد الفاصل بين القليل ، والكثير ، هو قدر ثلاث أصابع ، فإن كان الخرق قدر ثلاث أصابع ، منع ، وإلا فلا .

ثم المعتبر أصابع اليد ، وأصابع الرجل ، ذكر محمد في الزيادات قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل .

وروى الحسن عن أبي حنيفة ثلاث أصابع من أصابع اليد ، وإنما قدر بالثلاث لوجهين ، أحدهما أن هذا القدر إذا انكشف ، منع من قطع الأسفار .

والثاني أن الثلاث أصابع أكثر الأصابع ، وللأكثر حكم الكل ، ثم الخرق المانع أن يكون منفتحا ، بحيث يظهر ما تحته من القدم مقدار ثلاث أصابع ، أو يكون منضما لكنه ينفرج عند المشي ، فأما إذا كان منضما لا ينفرج عند المشي ، فإنه لا يمنع ، وإن كان أكثر من ثلاث أصابع ، كذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وإنما كان كذلك ، لأنه إذا كان منفتحا ، أو ينفتح عند المشي ، لا يمكن قطع السفر به ، وإذا لم يمكن ، يمنع وسواء كان الخرق في ظاهر الخف ، أو في باطنه ، أو من ناحية العقب ، بعد أن كان أسفل من الكعبين لما قلنا ، ولو بدا ثلاث من أنامله ، اختلف المشايخ فيه ، قال بعضهم : لا يمنع .

وقال بعضهم : يمنع وهو الصحيح ، ولو انكشفت الظهارة ، وفي داخله بطانة من جلد ، ولم يظهر القدم ، يجوز المسح عليه ، هذا إذا كان الخرق في موضع واحد ، فإن كان في مواضع متفرقة ، ينظر إن كان في خف واحد ، يجمع بعضها إلى بعض ، فإن بلغ قدر ثلاث أصابع ، يمنع ، وإلا فلا وإن كان في خفين لا يجمع وقالوا في النجاسة ، إن كانت على الخفين أنه يجمع بعضها إلى بعض ، فإذا زادت على قدر الدرهم منعت جواز [ ص: 12 ] الصلاة ، والفرق أن الخرق إنما يمنع جواز المسح لظهور مقدار فرض المسح ، فإذا كان متفرقا ، فلم يظهر مقدار فرض المسح من كل واحد منهما ، والمانع من جواز الصلاة في النجاسة هو كونه حاملا للنجاسة ، ومعنى الحمل متحقق سواء كان في خف واحد ، أو في خفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية