بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو اشترى بدرهم فلوسا ، وتقابضا وافترقا ثم استحقت الفلوس من يده ، وأخذها المستحق لا يبطل العقد ; لأن بالاستحقاق ، وإن انتقض القبض ، والتحق بالعدم فيصير كأن الافتراق حصل عن قبض الدراهم دون الفلوس ، وهذا لا يوجب بطلان العقد ، وعلى [ ص: 243 ] بائع الفلوس أن ينقد مثلها ، وكذلك إن استحق بعضها ، وأخذ قدر المستحق لا يبطل البيع لما قلنا ، وعلى بائع الفلوس أن ينقد مثل القدر المستحق ، وكذلك إذا ، وجد المشتري الفلوس من الفلوس الكاسدة لا يبطل البيع ; لأن قبض أحد البدلين فيما لا يتضمن يكفي لبقاء العقد على الصحة ، وقد وجد قبض أحدهما ، وهو الدراهم ، ولو كان المشتري قبض الفلوس ، ولم ينقد الدراهم ، وافترقا ثم استحقت الفلوس فالمستحق بالخيار إن شاء أجاز نقد البائع ، فيجوز العقد ; لأن الإجازة استندت إلى حالة العقد فجاز النقد والعقد ، ويرجع المستحق على بائع الفلوس بمثلها ، وينقد المشتري الدراهم لبائع الفلوس .

وإن شاء لم يجز ، وأخذ الفلوس ، وبطل العقد ; لأنه لما لم يجز ، وأخذ الفلوس فقد انتقض القبض ، والتحق بالعدم فتبين أن افتراقهما حصل لا عن قبض أصلا فبطل العقد ، وكذلك لو استحق بعض الفلوس فحكم البعض كحكم الكل ، وقد ذكرناه ، ولو وجد الفلوس كاسدة لا تروج بطل العقد ; لأنه ظهر أنهما تفرقا من غير قبض ، وإن وجدها تروج في بعض التجارة ، ولا تروج في البعض أو يأخذها البعض دون البعض فحكمها حكم الدراهم الزائفة إن تجوز بها المشتري جاز ; لأنها من جنس حقه أصلا ، وإن لم يتجوز بها فالقياس أن يبطل العقد في المردود قل أو كثر ، وهو قول زفر ، وعند أبي يوسف ، ومحمد إن لم يستبدل في مجلس الرد يبطل ، وإن استبدل لا يبطل ، وعند أبي حنيفة إن كان قليلا فاستبدل لا يبطل ، وإن كان كثيرا يبطل على ما ذكرنا في السلم ، والله - عز وجل - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية