بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وكذا لو استقرض من رجل كرا ، ودفع إليه غرائره ليكيله فيها ففعل ، وهو غائب لا يصير قابضا ; لأن القرض لا يملك قبل القبض فكان الكر على ملك المقرض فلم يصح أمر المستقرض إياه بكيله فلا يصير ، وكيلا له فلا تصير يده يد المستقرض كما في السلم ، ولو اشترى من إنسان كرا بعينه ، ودفع غرائره ، وأمره بأن يكيل فيها ففعل صار قابضا سواء كان المشتري حاضرا ، أو غائبا ; لأن المعقود عليه معين ، وقد ملكه المشتري بنفس العقد فصح أمر المشتري ; لأنه تناول عينا هو ملكه فصح أمره ، وصار البائع ، وكيلا له ، وصارت يده يد المشتري .

وكذلك الطحن إذا طحنه المسلم إليه بأمر رب السلم لم يصر قابضا ، ولو طحنه البائع بأمر المشتري صار قابضا ; لأن الطحن بمنزلة الكيل في الغرائر ولو استعار المشتري من البائع غرائره ، وأمره بأن يكيله فيها ففعل فإن كان المشتري حاضرا يصير قابضا بالتخلي بالإجماع ، وإن كان غائبا لا يصير قابضا عند محمد ما لم يسلم الغرائر إليه ، سواء كانت الغرائر بغير عينها ، أو بعينها ، وقال أبو يوسف إن كانت بعينها صار المشتري قابضا بنفس الكيل فيها ، وإن كانت بغير عينها بأن قال أعرني غرارة ، وكل فيها لا يصير قابضا .

( وجه ) قول محمد : أن الغرائر عارية في الوجهين جميعا ، ولم يقبضها ، والعارية لا حكم لها بدون القبض فبقيت في يد البائع فبقي ما فيها في يد البائع أيضا فلا يصير في يد المشتري قابضا إلا بتسليم الغرائر إليه ، ولأبي يوسف الفرق بين حالة التعيين ، وعدم التعيين ، وهو أن الغرائر إذا كانت معينة مشارا إليها فإن لم يمكن تصحيح التعيين من حيث كونه استعارة يمكن تصحيحه من حيث إقامتها مقام يده ، وإذا لم تكن متعينة فلا ، وجه للإعارة بوجه ، وقول محمد أظهر ، والله عز وجل أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية