بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
الوكيل ببيع العبد إذا قال : بعت [ ص: 36 ] وقبضت الثمن وهلك هذا على وجهين .

( أما ) إن كان الموكل سلم العبد إلى الوكيل .

أو كان لم يسلم إليه .

فإن لم يكن سلم العبد إليه فقال الوكيل : بعته من هذا الرجل وقبضت منه الثمن وهلك الثمن في يدي .

أو قال دفعته إلى الموكل .

فهذا لا يخلو إما : أن صدقه في ذلك أو كذبه .

فإن كذبه بالبيع أو صدقه بالبيع وكذبه في قبض الثمن أو صدقه فيهما وكذبه في الهلاك ، فإن صدقه في ذلك كله يهلك الثمن من مال الموكل ولا شيء على الوكيل ; لأنه يهلك أمانة في يده .

وإن كذبه في ذلك كله : بأن كذبه بالبيع ، أو صدقه بالبيع وكذبه في قبض الثمن ، فإن الوكيل يصدق في البيع ، ولا يصدق في قبض الثمن في حق الموكل ; لأن إقرار الوكيل في حق نفسه جائز عليه .

والمشتري بالخيار ، إن شاء نقد الثمن ثانيا إلى الموكل ، وأخذ منه المبيع ، وإن شاء فسخ البيع ، وله أن يرجع في الحالين جميعا على الوكيل بما نقده .

كذا .

ولو أقر الوكيل بالبيع ، وزعم أن الموكل قبض من المشتري الثمن ، وأنكر الموكل ذلك فإن الوكيل يصدق في البيع ، ولا يصدق في إقراره على الموكل بالقبض ، لما ذكرنا .

ويجبر المشتري على ما ذكرنا .

إلا أن هناك لا يرجع على الوكيل بشيء ; لأنه لم يوجد منه الإقرار بقبض الثمن .

وإن صدقه الموكل في البيع وقبض الثمن وكذبه في الهلاك أو الدفع إليه فالقول قول الوكيل في دعوى الهلاك ، أو الدفع إليه مع يمينه ; لأنه أمين .

ويجبر الموكل على تسليم العبد إلى المشتري ; لأنه ثبت البيع وقبض الثمن بتصديقه إياه .

ولا يؤمر المشتري بنقد الثمن ثانيا إلى الموكل ; لأنه ثبت وصول الثمن إلى يد وكيله بتصديقه ، ووصول الثمن إلى يد وكيله كوصوله إلى يده .

هذا إذا لم يكن العبد مسلما إلى الوكيل .

فأما إذا كان مسلما إليه فقال الوكيل : بعته من هذا الرجل وقبضت منه الثمن فهلك عندي أو قال : دفعته إلى الموكل ، أو قال : قبض الموكل الثمن من المشتري ، فإن الوكيل يصدق في ذلك كله ويسلم العبد إلى المشتري ، ويبرأ المشتري من الثمن ، ولا يمين عليه .

( أما ) إذا صدقه الموكل في ذلك كله : فلا يشكل .

وكذا إذا كذبه في البيع أو صدقه فيه وكذبه في قبض الثمن ; لأن الوكيل أقر ببراءة المشتري عن الثمن ، فلا يحلف .

ويحلف الوكيل .

فإن حلف على ما يدعيه برئ من الثمن .

وإن نكل عن اليمين لزمه ضمان الثمن للموكل .

فإن استحق العبد بعد ذلك من يد المشتري - فإنه يرجع بالثمن على الوكيل .

إذا أقر بقبض الثمن منه .

والوكيل لا يرجع على الموكل بما ضمن من الثمن للمشتري ; لأن الموكل لم يصدقه على قبض الثمن فإقرار الوكيل في حقه جائز ولا يجوز في حقه الرجوع على الموكل وله أن يحلف الموكل على العلم بقبض الوكيل .

فإن نكل رجع عليه بما ضمن .

ولو أقر الموكل بقبض الوكيل الثمن لكنه كذبه في الهلاك أو الدفع إليه ، فإن الوكيل يرجع بما ضمن عليه ; لأن يد وكيله كيده .

ولو كان الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه ، ولكنه أقر أن الموكل قبضه من المشتري لا يرجع المشتري على الوكيل ; لأنه لم يقبض منه الثمن ، ولا يرجع على الموكل أيضا ; لأن إقرارهما على الموكل لا يجوز .

ولو لم يستحق المبيع ، ولكنه وجد به عيبا ، كان له أن يخاصم الوكيل ، فإذا رد عليه بقضاء القاضي ، رجع عليه بالثمن إن أقر بقبض الثمن منه ، وللوكيل أن يرجع على الموكل بما ضمن ، إذا أقر الموكل بقبض الوكيل الثمن ، ويكون المبيع للموكل .

وإن لم يقر الموكل بقبض الوكيل الثمن ، لا يرجع الوكيل بما ضمن على الموكل .

وله أن يحلف الموكل على العلم بقبضه .

فإن نكل رجع عليه ، وإن حلف لا يرجع ، ولكنه يبيع العبد فيستوفي ما ضمن من ثمن العبد فإن كان فيه فضل رده على الموكل ، وإن كان فيه نقصان فلا يرجع بالنقصان على أحد ولو كان الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه ، ولكنه أقر بقبض الموكل ، لا يرجع المشتري بالثمن على الوكيل ; لأنه لم يدفعه إليه ولا يرجع على الموكل أيضا لأنهما لا يصدقان عليه بالقبض وعلى الموكل اليمين على البتات فإن نكل رجع عليه والمبيع له .

وإن حلف لا يرجع عليه بشيء ولكن المبيع يباع عليه .

وذكر الطحاوي في الفصل الأول : أن الوكيل يبيعه في قولهما .

وفي قول أبي حنيفة - رحمه الله - : لا يبيعه وجعل هذا كبيع مال المديون المفلس .

ولكن الوكيل لو باعه يجوز بيعه ; لأنه لما رد عليه فسخا ، عادت الوكالة .

فإذا بيع العبد يستوفي المشتري الثمن منه إن أقر الوكيل بقبض الموكل ولم يقر بقبض نفسه ، وإن أقر بقبض الثمن وضمن المشتري ، يأخذ من الثمن مقدار ما غرم فإن كان فيه فضل رده على الموكل ، وإن كان فيه نقصان لا يرجع على أحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية